23 أبريل 2024 , 19:28

سعار البؤساء : نعم نحن الدخن

تعلمون قصة الديك الذي يعلم أن الحبة لاتأكل الديكة  ، لكنه ينتظر أن تفهم الحبة أن الديكة ليست طعاما لها .

في الواقع النفسي الإكلينيكي يعرف أن قناعة الشخص عن نفسه أو عن محيطه قد تستحيل إلى قناعة مرضية واهمة .

وآخر ما ينتظر من المعتل نفسيا هو أن يكون منجدا لمن حوله .

وفي علم النفس هناك تشابه بين نفسية الفرد ونفسية المجتمع .

فالمجتمعات تمرض نفسيا وتحتاج لظروف ومناخات علاجية تساعدها على استرداد سوائها .

قد لا يروق لكم سماع رجل يهذي بتوبيخ أمه المريضة ، أو نعتها بالعاجزة أو التأفف من تكاليف علاجها ومن عجزها عن ممارسة أمومتها .

لكنكم ستعجزون عن بناء مفهوم عام يتعلق بعجز أي مكلف عن القيام بتكاليفه نتيجة العجز والمرض .

وتحوله من مكلف وصي إلى مكلف وموصى به دون أن يفقد مكانته ولا قيمته نتيجة العجز .

ما أريده هو إسقاط ذلك المفهوم على المجتمع والدولة كمنظومة قيمية وليس كذات مادية .

الوطن كالأم لا يجوز احتقاره نتيجة العجز عن احتضان أبنائه  أو فقره دون حاجاتهم أو ضعفه دون إسنادهم .

وهذا ما يحتاج إلى تفكيك بسيط .

ماهو الوطن حين نطرح منه أنفسنا كمواطنين ؟

إنه بقعة أرض هامدة غير معتبرة أخلاقيا باستنهاض نفسها ولا استنبات حضارة أو قيم .

نحن حين نتحدث عن الوطن البائس نكون قد وصلنا أوج انحطاطنا ودرك احتقارنا لأنفسنا .

وحين نفعل ذلك فإننا نعتمد آليات وطرائق مختلفة ، تحيل كلا منا إلى غرز أنيابه في لحم أمه أو أخيه .

من ذلك التنابز الأفقي والعمودي في استنقاصٍ أو تقزيمٍ يطال كلا منا من الآخر ، الكوري ، البيظاني ، الحرطاني ، لمعلم ، ازناكي ، ايكيو .

تصنيفات عرقية تتقاطعها سكاكين تصنيفات طبقية وأخرى جهوية .

فتفتت المفهوم العرقي إلى جهاته ومهنه وطباعه ، فيتحول العرق  إلى فسيفساء تختلق صراعات بينية غير الصراعات العرقية العامة ، فيتوزع بين العربي والزاري والراعي والامير وأهل الشمس وأهل الظل وأهل القبلة وأهل الساحل وأهل الشرق .

فتتحول التوظيفات السياسية في مجتمع الندرة الاقتصادية والفساد السياسي إلى وقائع فعلية تدار لتعزيز النفوذ والحشد السياسي ، فيختلط المطلب الوطني أو الحقوفي مع مطامع الطامحين ويعتلج الكل في وحل وحمأة النفوذ ويستعصي على الحكيم تمييز الحق من براثن الباطل .

حسنا ..

لمعلمين

ازواية

لعرب

لحراطين

لكور ( بكل تصنيفاتهم )

الحمة

آزناكة

أهل القبلة

أهل الشرق

أهل الساحل

أهل الضفة

……الخ

كل هذه التصنيفات والمصنفات لدى كل منها ما يذكيه من عيوب الآخر .

ولكل منها صوته الذي يعلو ويخبو بين حين وآخر .

و مجتمع السلطة يرقب في استمتاع خطوط الطول والعرض تلك ، ويضعها في مواسم السبق والرهانات على خطوط البداية مراهنا على من تلفظ أنفاسها عند خط النهاية قبل الأخرى.

كل ما تقدم ليس هو موضوع حديثي ولا موجبه .

وإنما نجاحنا الباهر في تحقيق كل هذا الفشل الذي أوصلنا إلى مرحلة نحقد فيها على أنفسنا وتتقاسم عرضنا أقلامنا وحناجرنا .

فقيه  يستغبي القيم والأحكام والأعراف  الدينية والمذهبية

ومثقف يسخر من الهوية والفلكلور وحتى الوجبات المحلية .

ومفكر يسطح الهوية ويسفه التراث و يبحث عن أفلاطونات لا يجدها فلا بعتبر الوجود إلا يونانيا أو هو عدم .

وسياسي عاقر البديهة يعرف الزمن  على أنه مامر به وزيرا والتاريخ ما صنع من ثروة .

وفي خضم هذه الفوضى نتقاسم العقوق للوطن ونتبادل أمثلة تقزيمية  من نوع ” هي ألا موريتان ” ( بمعنى لا أمل ) .

سمعناكم جميعا أيها السادة وأنتم تنعتوننا بالدخن المتخلفين الجهلة .

سمعناكم تنهشون كرامتنا وأعراضنا وتستخفون بشريتنا وتسوموننا سوء البذاءة والدناءة .

” أكصرولنا وذنيكم ” قليلا فلدينا مانقوله لتسمعوه .

نحن من منحكم قلم ” بيك ” في حين كنا نحتاج خبزا لبطون جوعانا .

وأهلكنا شباب معلمينا الصامدين على حافات الموت ليعلموكم الأبجدية .

نحن من منحناكم على فقرنا مخصصات دفعناها من عرق الحمال و ” مول شاريت ” و ” اتيفاي ” وباعة الرصيد والصيادين .

وتسولنا العالم مقاعدكم في الجامعات .ّ

فعلنا ذلك ونحن نعتصر الأمل في انتظار عودتكم بوارق أمل وسند فقير ، و سواعد بناء .

فجادت قرائحكم بأن استلطفتم حدائق العالم وشوراعه ومناخاته، وبناه التحتية وناطحات سحابه  وجسوره وفنادقه .

فانهلتم علينا سبابا واستصغارا وسخرية .

نعم نحن دخن ..

لكننا لن نبني وطننا ولن نعالج فقرنا وجهلنا ببياض  ولا بزرقة عيون من خطفتكم هيئاتهم وافتتنتم بشقار شعرهم و نهودهم الفاتنة .

لقد هزلت حتى بان صغاركم .

نعم نحن دخن ، لكننا لن نستنجد بجينات تفاخرتم ببر توددها وما شفعت لهيئاتكم غيرها .

ليس لدينا من الوقت ما يكفي لنحتفر أنفسنا ونتبادل ما تسوقه روح الإنحطاط وهزال التبعية .

مالدينا من الوقت هو مايكفي لتشخص أبصارنا وقلوبنا على ثرائنا وتكاملنا ، لنصوب قدراتنا وطاقاتنا نحو مجد نصنعه وبناء نبنيه ، مستحضرين قدرتنا ومكانتنا وتميزنا وثقتنا بالله وأنفسنا   .

وطننا فخرنا ومانصنعه هو مانمتلك .

وليخسأ الساخرون.

الكاتب :محمد افو

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *