18 أبريل 2024 , 19:20

هذه رسائل اقتراح رئيس ألماني سابق للوساطة في نزاع الصحراء

لا شك أن للوسطاء لحل النزاعات في منظومة الأمم المتحدة قوة قد تكون حاسمة في تفكيك المشاكل الدولية أو تعقيدها، ولاشك أن وجودهم لأداء هذه الوظيفة يفرضه منطق الاحتكام الى صيانة المصالح المختلفة للأطراف المتنازعة، وأيضا للكيانات البشرية المحيطة بهم. فلا يمكن أن يترك للأطراف حرية تدبير نزاعاتهم بعيدا عن تدخل القوى المحيطة بهم، تفاديا لأي أثار كيفما كان نوعها، قد تغير مراكز القوة للمتنازعين، وتخل بالتوازنات السياسية والموازين الاقتصادية في منطقة ما من العالم

لذلك فإن اختيار الوسيط الدولي يمر بسلسة من المعايير، أهمها تفهم المصالح المتضاربة حول النزاع المعروض للحل، إضافة إلى التوفر على الإسناد السياسي والجغرافي لشخص الوسيط، هذا وناهيك عن ضرورة التمكن من الثقافة المهنية للوساطة والتفاوض وفض النزاعات والعلم بالقواعد الدولية والموضوعاتية لتشريح نوازل الصراعات بين الأمم والشعوب، هذا بجانب تملك شخصية قوية كاريزمية، لها سمعة وتراث في إدارة الأمور الدولية، أو إدارة الكيانات البشرية المختلفة من دول وتنظيمات دولية وغيرها

عبر التاريخ لمعت أسماء عدد من الوسطاء الدوليين داخل منظومة الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية والقارية وتذكرهم الناس والتاريخ أكثر مما تذكروا الأمناء العامين الذين عينوهم، أمثال السويدي الكونت فولك برنادوت الذي قتلته عصابات صهيونية في خضم قيامه بالوساطة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني سنة 1948؛ الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي ساهم في حل عدد من النزاعات خصوصا دوره أثناء تمثيله للجنة الثلاثية للقمة العربية في الحرب الأهلية اللبنانية ودوره في إقامة اتفاق الطائف، وغيرهم عدد مهم من الوسطاء الدوليين الذين تم اللجوء إليهم كمنقذين لأزمات عصية، طال أمد بقائها وخلفت آثارا خطيرة على السلم وعلى الأمن الدوليين، ولم تنفع معها القرارات الدولية ولم تجدي معها نفعا المؤتمرات والقمم

في نزاع الصحراء المغربية تعاقب عدد من الوسطاء للأمناء العامين للأمم المتحدة، منهم من اتسمت ولايته بعدم الحياد، كآخر وسيط لبان كي مون كريستوفر روس السفير الأمريكي السابق بالجزائر، والذي شكلت مناوراته المكشوفة للجميع لمحاصرة المغرب عبئا على المنظمة الدولية، فما كان من حل سوى التخلص منه وإضافة إسمه إلى أرشيف قسم موظفي الأمم المتحدة

ومنهم من كانت له الجرأة في طرح حلول جديدة كجيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي السابق، لكنها كانت ملغومة وتحوم حولها شبهات مصالح الغاز والبترول الجزائري كمقترح حكم ذاتي لفترة معينة تليها عملية استفتاء، ومنها من كان أكثر جرأة وفهما للواقع، كالديبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسوم الذي أطلق مسلسل المفاوضات غير المباشرة بين المغرب واليوليساريو، والذي خلص الى وضع مقترح لاستبعاد حلم الاستفتاء غير الواقعي، داعيا إلى التفكير في مقترح واقعي وعقلاني يحترم التاريخ والمعطيات الحالية على الأرض

مؤخرا أثير إسم الرئيس الألماني السابق، هورست كوهلر (وسط الصورة) كممثل ووسيط للأمين العام الجديد للأمم المتحدة في نزاع الصحراء المغربية، في الوقت الذي يصدر فيه تقريرا وتوصيات مهمة بشأن النزاع لمناقشته في مجلس الأمن واتخاذ القرارات المتعينة بشأن القضية. هذا الإسم وهذا الانتماء لألمانيا له أكثر من بعد وأكثر من رسالة، نركز فيها على نقطتين مهمتين نجدهما تلخصان فرضية التفكير الدولي الجدي في حل النزاع خلال ولاية الأمين العام أنطونيو غوتيريس

الرسالة الأولى وهي تعيين رجل اقتصاد ينتمي لدولة اقتصادها قوي صمد بشكل لامثيل له في أوروبا أمام الأزمات الاقتصادية الأخيرة، منفتح على الأسواق الجديدة ومن أهمها الأسواق الإفريقية. اشتغل كوهلر في المنظمات المالية الدولية كالبنك الدولي ومايعنيه ذلك من احتكاك مع جدية المشاريع التنموية للدول الصاعدة ومن بينها المغرب مما يدعو إلى مزيد من تشجيعها واستقرارها

له أيضا اهتمامات بالاقتصاديات الإفريقية، وسبق له أن كان ضيفا محاضرا على عدد من المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية في إفريقيا، وهو مطلع تمام الاطلاع على حجم إمكانات القارة ومؤهلاتها الطبيعية والبشرية. حتما كرجل سبق له أن كان رئيسا لألمانيا ومنتمي لنفس حزب أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، يتمنى أن يساعد بلده في مزيد من الاكتساح للأسواق، وخصوصا للسوق الافريقية، التي تسعى بلاده جادة لدخولها وقد يكون المغرب أحسن بوابة للولوج للقارة

أيضا اشتهر هورست كوهلر باستقالته من منصبه كرئيس لألمانيا بعد تصريحاته المبررة لتدخل بلاده العسكري خارج ألمانيا من أجل حماية المصالح الاقتصادية، وهي نفس المدرسة الاستراتيجية التي يتبناها المغرب، والتي تقول بضرورة حماية الحدود الاقتصادية والثقافية للبلاد كلما تعرضت للخطر، والتي لا تنطبق بالضرورة مع الحدود الترابية، مايفسر تدخل المغرب مثلا في اليمن لمساندة دول الخليج العربي. هذا إلى جانب الانتماء الأوروبي وما يعنيه من مراعاة لحجم المصالح الأوروبية مع المغرب وعلى رأسها الأمن والهجرة والإقتصاد، في الوقت الذي تعيش فيه الجزائر المساند الأول للبوليساريو عزلة سياسية وافلاس اقتصادي تنموي ومشاكل تدبير السلطة والحريات والحقوق الإنسانية لا حصر لها

الرسالة الثانية من جراء إشاعة اسم شخصية سياسية ألمانية في ملف الصحراء المغربية، حتى وإن لم يعين الرئيس الألماني السابق كوسيط أممي جديد في النزاع، هي رسالة لها علاقة بطريقة تفسير مفهوم تقرير الشعوب لمصيرها وتحفز على التفكير بشكل آخر، خصوصا من قبل خصوم الوحدة الترابية، والتي تؤكدها مستنتجات الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس عندما أقر في تقريره الأممي الأخير، بأن هناك تفسيرات عدة لطريقة ممارسة تقرير المصير يجب على أساسها أن تنطلق المفاوضات في دينامية جديدة وواقعية

ألمانيا التي ترأسها كوهلر قبل استقالته، معروفة بنموذج اللاندر länder allemand، لتدبير مختلف الجهات، وهو نظام إداري سياسي يوفق بين النظام الفدرالي الموسع ومابين الجهوية الموسعة، وهو قريب في تصوره من خطاطة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية الذي اقترحها المغرب لحل نزاع الصحراء، وفي هذا الصدد لن تجد الأمم المتحدة شخصية مارست عمليا رئاسة نظام شبيه وقادرة على إقناع الأطراف بهذه التجربة الواقعية الناجحة على المستوى العالمي أكثر من شخصية ألمانية، متمكنة من أسرار نجاح نموذج حكم ذاتي كهذا، متمسكة بحرية التدبير الذاتي داخل نسق الوحدة وغير مؤمنة بالانفصال

ومن المحتمل ألا يجد الوسيط أي اعتراض من المغرب على توجهه نحو تعديل مقترح الحكم الذاتي في صيغة شبيهة باللاندر الألماني، هذا النموذج الذي عبر الراحل الحسن الثاني أكثر من مرة عن إعجابه به، وعن حلمه في تطبيقه في المغرب لكونه نظاما يحافظ على الهوية الوطنية الجامعة ويصون الهويات الجهوية والثقافية الفرعية، ويخفف العبء السياسي والاقتصادي عن مركز الدولة ويساهم في التنمية الشاملة والانفتاح. غير أن هذا التوجه قد ترفضه الجزائر بواسطة البوليساريو، مخافة أن يصبح مطلبا داخليا في الجزائر في ظل جمود العقلية العسكرية الجزائرية، وتصديها لأي محاولات خلخلة سلطاتها في تدبير ثروات البلاد

هذه في نظرنا أهم الرسائل التي تحملها فكرة تعيين شخصية ألمانية للوساطة في نزاع الصحراء المغربية، غير أن مآلات تفعيل هذا التعيين والدلالات التي يحملها تبقى رهينة بمدى استعداد القوى الدولية، الجزائر وبعض القوى الإفريقية في تقبل تهدئة في شمال إفريقيا من شأنها أن تخلق قوى جديدة، قد تقلب موازين القوى الإقليمية وقد تكون قادرة على خلق نظام قاري إفريقي جديد يتحدى القارات الأخرى ومؤثرة في النظام العالمي ككل

إدريس بنيعقوب*

*باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط

شاهد أيضاً

حزب “فوكس”الإسباني يرفض تبييض وجه تنظيم البوليساريو الإرهابي

 في تطور لافت في موقف واحد من أكثر الأحزاب السياسية الإسبانية المعروفة بعدائها للمغرب، رفض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *