24 أبريل 2024 , 19:32

سقوط الأحادية الأميركية واندلاع الحرب الباردة للكاتب عادل مالك

04
مجموعة تطورات وعوامل تحكمت بالمشهدين الإقليمي والدولي، بعد «صدمة الكيماوي» في سورية، والانتقال المفاجئ من التصعيد العسكري من جانب الرئيس أوباما، إلى الانقلاب في الموقف وهو الذي أبعد «الحل العسكري» ولو إلى حين على الأقل، والتركيز بزخم كبير على «الحل السياسي» والذي بدأ بتسليم سلطات النظام في سورية لوائح متكاملة بالأسلحة الكيماوية وما يتفرع منها من أسلحة الدمار الشامل.

وفيما كان العالم ينتظر الرئيس أوباما لإعلان بعض التفاصيل عن «الضربة العسكرية» ضد سورية، إذا بالموقف ينقلب رأساً على عقب، وينحسر الحل العسكري ليبرز الحل السياسي، وتم تحديد مهلة أسبوع للسلطات السورية لأن تزود الأمم المتحدة باللوائح الكاملة للأسلحة الكيماوية.

وقبل أن يصدر تقرير بعثة تقصي الحقائق والتي توجهت إلى المناطق التي أعلن أنها تعرضت للأسلحة الكيماوية، ركزت واشنطن وبعض العواصم الغربية على أهمية هذا «الإنجاز» والذي يقضي بتجريد النظام السوري من هذا النوع من الأسلحة، فيما اعتبرت الأطراف المؤيدة للنظام أنها سجلت «انتصاراً كبيراً» على الولايات المتحدة.

وسلم رئيس بعثة تقصي الحقائق في استخدام الأسلحة الكيماوية البروفسور أكي سالسترو إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي بون التقرير والذي ورد فيه ما حرفيته: «إن ثمة أدلة واضحة ومقنعة على استخدام غاز السارين المحرم دولياً وعلى نطاق واسع نسبياً».

ورافق هذه الفترة العديد من السجالات الحادة النبرة وتبادل الاتهامات بين فريق يتهم النظام السوري باستخدام هذا النوع من الأسلحة ضد معارضيه، تبع ذلك حملة إعلامية بقيادة روسيا والرئيس فلاديمير بوتين بالذات، وإلى جانبه وزير الخارجية سيرغي لافروف وتتهم الحملة المعارضين للنظام باستخدام الأسلحة الكيماوية والرغبة في تلطيخ سمعة النظام. وفيما يسلك «المسار الكيماوي» الخط المرسوم له، هناك كلام يجب أن يقال في هذا الشأن بالذات.

منذ أكثر من سنتين ونصف السنة على اندلاع شرارة الأحداث في سورية لم يتحرك العالم طوال هذه الفترة الزمنية ولو لــ «الاعتراض» على مقتل ما يزيد على مئة وثلاثين ألف شخص (تقريباً) ولم نسمع بأي صوت اعتراضي أو انتقادي لما يجري.

والآن وبعد استخدام الأسلحة الكيماوية هب العالم الغربي كله مندداً بما حدث والسؤال: هل هذا يعني أن القتل في سورية عبر مختلف أدوات الحرب المدمرة مسموح، فيما القتل بالكيماوي فقط هو الممنوع فحسب؟

وتحت عنوان «مقاربات ومفارقات» من وحي تطورات الأيام الأخيرة يمكن تسجيل الآتي:

عندما كانت توجه التهمة إلى النظام في سورية باستخدام الأسلحة المحظورة دولياً في قتاله مع المعارضة، كانت سلطات النظام تشجب بقوة وتنفي امتلاكها لهذا النوع من الأسلحة، والآن وبعد استجابة دمشق وبسرعة مذهلة للتخلص من الأسلحة الكيماوية كثمن للتسوية يتبين أن سلطات النظام تملك فعلاً هذه الأسلحة. وفي السياق نفسه وقياساً على أزمة الثقة أو انعدام الثقة بين النظام السوري والرأي العام الدولي وفي الطليعة الولايات المتحدة الأميركية، يبرز سؤال:

كيف سيتم التأكد من أن النظام السوري سوف يجري عملية «مسح كاملة وشاملة» لهذه الأسلحة بخاصة في ضوء معلومات تتحدث عن نقل بعض هذه الأسلحة إلى أماكن جغرافية محددة، ومعظمها يقع على الساحل السوري والذي تحكم قوات النظام السيطرة عليها.

وسؤال محوري آخر من وحي المرحلة: هل تم إلغاء «الضربة العسكرية» لسورية، أم تم تأجيلها؟

والجواب عن ذلك يكمن في أن الغرب الأميركي منه والأوروبي يريد مواصلة الضغوط على نظام الرئيس بشار الأسد، فيما تقف روسيا صامدة بقوة وحتى كتابة هذه السطور إلى جانب الحليف السوري بوجه الحملات الغربية، وهذا الأمر أدى إلى توتر في العلاقات بين واشنطن وموسكو والى إلغاء أو تأجيل الاجتماع الذي كان مقرراً بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين. وقد بذل الرئيس الأميركي جهوداً مضنية خلال انعقاد «قمة العشرين» في سانت بطرسبورغ لتبديل وجهة نظر الرئيس الروسي حيال الوضع في سورية لكن الرئيس الروسي لم يتزحزح «قيد أنملة» عن مواقفه الداعمة للنظام السوري. ويمكن القول إن فصلاً جديداً من فصول الحرب الباردة قد بدأ بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية.

على أن النقطة الأبرز جراء كل هذه التطورات وفي ما يتخطى «الصدمة الكيماوية» يتمثل بسقوط الأحادية الأميركية عن السيطرة على العالم، وهو الأمر الذي ساد لفترة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في زمن التسعينات وحتى الأشهر القليلة الماضية، وهذا يعني بصورة تلقائية عودة «الثنائية» إلى العلاقات الدولية بين محوري الشرق والغرب.

وتتابعت التطورات المتسارعة مع الإعلان المفاجئ الصادر عن الرئيس باراك أوباما والمتعلق بتبادله الرسائل مع الرئيس الإيراني الجديد الشيخ حسن روحاني، وهو التطور الذي يحدث لأول مرة بين واشنطن وطهران، الأمر الذي يسمح بالتحليل والاستنتاج أنه جرى المزج بين «الكيماوي» السوري و «النووي» الإيراني!

وهذا التطور إذا ما تم البناء عليه فهو يشكل عملية اختراق في الجدار المسدود بين الولايات المتحدة وإيران على مدى ما يعرف بــ «أزمة الملف النووي الإيراني».

ولعل هذا ما يفسر لماذا توقف تصعيد الرئيس أوباما الحملة ضد سورية؟

ربما تم ذلك بعد التصريحات التي صدرت عن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي من أن «الضربة الأميركية لسورية ستكون كارثة على المنطقة بكاملها». بخاصة عندما تؤكد المعلومات أن مضمون الرسائل المتبادلة بين أوباما وروحاني يتعلق في معظمه بالتطورات في سورية. وهذا ما يؤكد مقولة تحول إيران من التعامل معها على أساس أنها جزء من المشكلة، إلى اعتبارها جزءاً من الحل، وهذا تحول كبير في الموقف الإقليمي إذا ما تم البناء عليه.

لقد تساءلنا منذ فترة: «هل سيتمكن الرئيس بشار من الحصول على حصة الأسد! جراء هذه المنازلة المكشوفة مع الغرب الأميركي منه والأوروبي».

وكان هذا التساؤل بالمعنى المجازي، لكن إذا أمكن «ترجمة» ما شهدته الأيام القليلة الماضية يتبين أن من نال «حصة الأسد» حتى الآن على الأقل هو «القيصر الجديد» فلاديمير بوتين وسائر الحلفاء المنضوين تحت شعار «الممانعة» والتوابع.

وسعى بوتين إلى توظيف هذا «الانتصار الديبلوماسي»، إعلامياً على الأقل فظهر سيد الكرملين القوي كمحلل سياسي عبر نشره مقالاً مطولاً في صحيفة «نيويورك تايمز» ورد فيه وفي سياق انتقاده لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة: «… سوف تؤدي الضربة المحتملة التي قد توجهها الولايات المتحدة إلى سورية على رغم معارضة عدد كبير من الدول والشخصيات وضمنهم بابا الفاتيكان إلى سقوط عدد كبير من الضحايا الأبرياء، كما يمكن لضربة عسكرية أن تؤدي إلى اندلاع موجة جديدة من الإرهاب، قد تقوض الجهود متعددة الأطراف التي تبذل من أجل تسوية المشكلة النووية الإيرانية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي». وأضاف: «المعلق السياسي» بوتين: «ما يثير القلق هو أن التدخل العسكري في النزاعات الداخلية في الدول الأجنبية قد أصبح مألوفاً بالنسبة للولايات المتحدة». فالملايين في جميع أنحاء العالم لم تعد ترى أميركا بوصفها نموذجاً للديموقراطية بل على أنها أصبحت تعتمد على القوة الباطشة…» التي تجمع حولها حلفاء وفق مبدأ «من ليس معنا فهو ضدنا». وختم مقاله بالقول: «يبقى شيء واحد مهم، هو أننا حين نتوجه بالدعاء إلى الله ليباركنا، فان علينا أن لا ننسى انه خلقنا جميعاً متساوين».

وبعد ذلك هل يمكن أن نطلق على فلاديمير بوتين لقب «الرئيس المؤمن»؟ أو الرئيس الطوباوي؟

والآن وقد انتظم مسار الأحداث ضمن منهجية معينة من حيت تجريد سورية من الأسلحة الكيماوية، وتراجع واشنطن في اللحظة الأخيرة عن تنفيذ «الضربة المحدودة»! فان المبادرة الروسية كانت تحركاً ديبلوماسياً ذكياً من جانب الروس. فهي أنقذت الأسد من نتائج الضربة التي كانت محتملة، كما إنها أنقذت الرئيس باراك أوباما من السقوط في الهاوية في الداخل الأميركي.

ونتذكر من وحي كل هذه التطورات أن الرئيس أوباما قد حصل على جائزة «نوبل للسلام»، وجرى انتقاد هذه الخطوة في حينه باعتبار أن الرئيس أوباما لم يقدم على أي خطوة من شأنها أن تكرس السلم العالمي. ومع التصعيد الكبير الذي اعتمده في حملته ضد سورية تساءل البعض ومن قبيل الفكاهة السوداء: هل يجب سحب نوبل للسلام من أوباما؟ أم أنه يسعى إلى «نوبل الحرب»!

في جانب آخر تشهد إيران بعض التطورات اللافتة والتي يجب التوقف عندها. من ذلك ما أطلقه المرشد الأعلى السيد علي خامنئي وفي الخطاب الهام الذي ألقاه أمام قيادات الحرس الثوري الإيراني، وقال فيه: «إن مبدأ الجمهورية الإسلامية الإيرانية يرفض السلاح النووي، وإن هذا الرفض ليس من أجل أميركا أو غيرها». فهل ينطوي هذا الكلام على تحول فقهي كبير في التوجه الإيراني النووي؟

وفي شأن آخر أعلن السيد خامنئي موافقته على التحركات التصحيحية والمنطقية في السياسات الخارجية والداخلية والتي وصفها بـ «الليونة البطولية». وفي كلام عن الوضع الداخلي دعا خامنئي الحرس الثوري الإيراني إلى «عدم التدخل في الحياة السياسية في البلاد»، مضيفاً: «من المهم ان يطلع افراد الحرس على العمليات السياسية ولكن من دون التدخل فيها».

وهذا كلام جديد يطلق على الساحة الإيرانية من قبل المرجعية الأساسية والعليا للحكم. فهل هذا ينبئ بحدوث تطورات جديدة في إيران؟ وتتلاقى هذه الطروحات مع مجيء الشيخ حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية وما يحكى عن انفتاحه على كافة التيارات القائمة في إيران ودول الجوار والعالم. وجدير ذكره في هذا المجال الخبر الذي ورد قبل بضعة شهور على لسان المرشد الأعلى السيد خامنئي حيث وجه دعوة عامة إلى العالم «كي يشهد هزيمة الولايات المتحدة على الساحة اللبنانية».

فهل ما زالت هذه الدعوة قائمة، وحتى العرض؟ أم أن التوجه الديبلوماسي الجديد من جانب الرئيس باراك أوباما سوف يغير الطروحات والمعادلات وينتهج الحل السياسي كذلك مع إيران بعد ما فشلت كل الأحاديث عن توجيه ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية لإيران؟

وفي العودة إلى المحور الأساسي لهذا المقال وهو «الصدمة الكيماوية السورية» لنقف عند وجود «طبعتين» للرواية النووية. واشنطن تقول إن النظام في دمشق هو الذي استخدم الأسلحة الكيماوية، وتؤكد أن لديها إثباتاً على ذلك، في حين تؤكد موسكو على أن المعارضين من المسلحين هم الذين استخدموا هذه الأسلحة، وأن لديها كذلك الأدلة والبراهين، على ذلك.

هل انتهت أزمة الكيماوي عند هذا الحد؟

لا يبدو أن الأمر كذلك، فللقضية تتمة بل تتمات، ومن ذلك السعي إلى التحضير لعقد اجتماع «جنيف-2» والتركيز على مضمون الحل السياسي للأزمة في سورية وسط انقسام واضح بين رغبه أميركية وأوروبية بالإعداد لتخلى الرئيس بشار الأسد عن السلطة فيما يرد الأسد بإحالة الجميع إلى الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2014، وفي ضوء نتائجها يكون لكل حادث حديث.

وفي سياق تقويم تجربة الأيام الأخيرة من «صدمة الكيماوي»، لا بد من تحميل الرئيس باراك أوباما مسؤولية التصعيد العسكري إلى درجة الوقوع في مأزق المعارضة الشعبية داخل الكونغرس الأميركي، وفي أوساط الشعب الأميركي بصورة عامة. فهل «اتعظ» الرئيس أوباما وسيقلع بعد اليوم عن اعتماد سياسة الكلام العالي النبرة في العلن، وخافض النبرة في الكواليس؟

إن العلاقات «الجديدة» بين إيران والغرب الأميركي منه والأوروبي! مؤشر للتعاطي بين الجانبين بشكل أكثر إيجابية وأقل سلبية من الماضي.

وتبقى المنطقة بكاملها رهينة المفاجآت منها الإيجابي على ندرته- والسلبي على كثرته.

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *