24 أبريل 2024 , 16:50

سجين سابق/ تعرّفت على الزرقاوي والجهاد في أفغانستان كان “لُعبَـة”

سجين

حوار مع سجين سابق في غوانتنامو”، نتوقف مع مسار أشهر معتقلي السجن الأمريكي في الخليج الكوبي، المغربي يونس شقوري، الذي قضى 14 عاما في “غوانتنامو”، الذي اعتقلت فيه أمريكا العشرات من العرب والأجانب ممن كانوا يتواجدون في باكستان وأفغانستان إبان الغزو الأمريكي للأخيرة، رداً على الهجمات الإرهابية التي طالت صبيحة 11 شتنبر 2001 برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك

هسبريس زارت شقوري في منزله وسط مدينة آسفي؛ حيث يقضي فترة نقاهة بعد أن منحه قاضي التحقيق المكلف بملفات الإرهاب، في فبراير الماضي، السراح المؤقت، بعدما قضى قرابة خمسة أشهر وراء قضبان سجن سلا2، مباشرة بعد تسليمه من الولايات المتحدة الأمريكية إلى سلطات الرباط يوم 16 شتنبر 2015، قادما من “غوانتنامو” على متن طائرة عسكرية، معصب العينين ومكبل الأطراف.

في الحلقة الخامسة من هذا الحوار يتحدث شقوري عن لقائه زعيم تنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتلته القوات الأمريكية عام 2006، وموقفه منه، إلى جانب وصفه ما كان يجري في أفغانستان من “جهادبـ”اللعبة السياسية التي لا يعرف تفاصيلها المقاتلون في الميدان”، مضيفا أن قادة الجهاد الأفغاني كانوا “تجار دماء”، عكس المقاتلين العرب الذين وصفهم بـ”المساكين الصادقين“.

وفي ما يلي نص الحوار مع يونس شقوري في جزئه الخامس:

هل يختلف تصور يونس شقوري للجهاد عما كانوا هم يعتقدون؟

لم تكن كلمة الجهاد عيبا في الإعلام، لكن، وبعد أحداث 11 شتنبر 2001، بات الجهاد إرهابا، وصار الإرهاب موضة، فلم نعد نرى ذلك الجهاد الذي نعرفه بنصرة القضية بالتضحية بالنفس، وحين تنتهي الحرب يعود المجاهد إلى بلاده ويعيش حياة عادية، بل العكس، فمن يذهب إلى الحرب يكون إرهابيا ويرجع إرهابيا إلى بلده..الناس لم تعد تفرق بين الجهاد والإرهاب.

هل هذا الفرق الذي ذكرته بين الجهاد والإرهاب ينطبق على عقليات المقاتلين القدامى ومن ينضمون حاليا إلى “داعش”؟

المجاهدون القدامى في الجهاد الأفغاني والشيشاني والبوسني، الذين لازالوا حتى الآن في السجون، هم أكثر الناس الذين علموا مراجعات فكرية في المغرب وغيره، وليس من ينتمون إلى تنظيم “داعش”؛ لأن الذين عادوا منهم لا يملكون مراجعات فكرية..”داعش” لا تراجع الأفكار، وأي “داعشي” يتكلم معك فهو يمارس التقية.

هم يعيشون قضيتهم عبر الأقمار الاصطناعية، ويبايعون البغدادي على أنه خليفة وهم مقيمون في بلدانهم، ويصدقون أن دولة الخلافة قامت في العراق، ويريدون إقامتها في المغرب وإسقاط نظام الملكية.

إن المراجعات الفكرية التي قام بها المجاهدون القدامى تبقى منطقية، وهم لا يتفقون مع فكر “داعش”، ويعتبرونها فرقة من الخوارج، تغيب عن أعمالها قواعد السياسة الشرعية، وتقوم بأعمال سلبية على مستوى الجماعة وكذا الإسلام..هم أناس استوعبوا الأحداث وقدموا مراجعات فكرية.

وأنت ماذا استفدت؟ وهل تتفق مع تلك المراجعات؟

ما استفاده يونس من حياته في بيشاور وباكستان بالقرب من الحدود الأفغانية هو أن الجهاد منهج حياة، وليس فقط مشاركة في العمليات القتالية، فالإنسان الذي يحمل سلاحا يقوم بدور بسيط في اللعبة السياسية، والقتال هو الحرب والسياسة، ودور السياسيين أكبر ممن يمارسون القتال على مستوى الميدان.

باكستان كانت تستغل القضية الأفغانية منذ البداية، عبر المخابرات، وكانت المخابرات الأمريكية تصفي حسابات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي عبر القضية الأفغانية؛ وحتى الدول الخليجية كان لها دور في ذلك.

أما الأحزاب السياسية الأفغانية فكان لها تنسيق مع أجهزة الاستخبارات التي كانت تمنعها من حمل السلاح والتدريب والحضور الميداني، وكان من الضروري لها نيل موافقتها..هي لعبة كبيرة وأكبر من مجرد الهجرة وحمل السلاح في سبيل الله والشهادة..رغم أننا رأينا فعلا كرامات الشهداء، من رائحة المسك والنور المنبعث من القبور..لقد كانوا صادقين رغم هذه اللعبة.

احك لنا عن حقيقة هذه الكرامات، وهل كانت الجماعات الجهادية تستخدمها لاستقطاب مزيد من الشباب؟

يجب أن تعرف -وهذه مشكلة حقيقة- أن الذي يؤثر في نفسية كثير من الشباب هي هذه الكرامات، التي تكون حقيقة..أنا شخصيا رأيت مشهدا شهيد من المجاهدين وقتيل من حكومة نجيب الشيوعية، قتلا في لحظة واحدة، وبقيت جثة المجاهد بملابسه أكثر من 6 أشهر ولم تتغير، ناهيك عن رائحة المسك، أما جثة الآخر فلم تلبث سوى يومين حتى خرجت منها رائحة نتنة وانتفخت وأكلها الدود.

هذا واقع لا يصدق؛ ناهيك عن الروائح الزكية والنور الذي يخرج من القبور..هي فعلا مظاهر كانت موجودة وشاهدتها بأم عيني، رغم أن النفوس تختلف.

يعني أن غايات المقاتلين في أفغانستان كانت تختلف؟

لقد كانت القيادات الأفغانية من الكوماندوز يقاتلون بالسلاح وبتنسيق مع الاستخبارات، ولما انتهت الحرب عام 1992 صاروا رجال أعمال أغنياء كدسوا ميزانيات بملايين الدولارات، بعدما كانوا يقاتلون باسم الجهاد، وهم في الحقيقة تجار دماء.

هل كان المقاتلون العرب من هذا الصنف أيضا؟

المجاهدون العرب كانوا مساكين لم يغنموا أي شيء.. وبالعكس، تركوا وظائفهم وأهاليهم وهاجروا بلدانهم للقتال في سبيل الله ونصرة المستضعفين؛ لذلك كان إذا قتل أحدهم تحصل له كرامة. أما الأفغان، فكان كثير منهم تجار دماء..فبات الجهاد تجارة: من يتاجر مع الله، ومن يتاجر في الدماء.

هل هذا النوع من التجارة في نظرك، أي تجارة الدماء، يجري حاليا في سوريا والعراق؟

طبعا، بل حاضر بقوة.. لكن دعني أعود معك قبل هذا إلى الوراء قليلا. كثير من الناس يعتقدون أن الشيوعية في كوبا انتصرت على الرأسمالية بقيادة فيديل كاسترو.. فيديل كاسترو لم يكن يقاتل وحده، بل كانت بجانبه الصين وروسيا والدول الشيوعية في العالم التي دعمته بالسلاح والمقاتلين والمال..لم ينتصر لوحده..والأمر نفسه في أفغانستان..كان هناك الصدق لكن كان هناك أيضا الدعم الأمريكي والسعودي والباكستاني. وبعد انتهاء الحرب، تبين أن جل الزعماء الإسلاميين كانوا كذابين ومجرمين، وسبق لي أن جلست معهم، من حكمتيار ومسعود… كان كل واحد منهم يريد إقامة دولة، فمسعود كان ولاؤه للهند، وحكمتيار كانت تضغط عليه باكستان وإيران؛ أما سياف فكان أكثر المجرمين.

تقصد عبد رب الرسول سياف الذي كان من أبرز رموز القتال الأفغاني؟

لحيته الطويلة لم تكن تظهر حقيقة إسلامه..كانت كلها تمثيلية. هو أكبر مجرم و”حرامي” كبير جدا..كان اسمه عبد الرسول وبدله إلى عبد رب الرسول حتى ترضى عنه الوهابية.

دعني أقفز معك زمنيا، واستثناء، من فترة الجهاد الأفغاني إلى الصراع الدائر حاليا في سوريا والعراق، هل تنطبق لعبة الجهاد الأفغاني على هذا الصراع؟

مشكلتنا أننا نعجب بالشعارات، وهناك من لا يريد أن يستحضر عقله، خاصة من لا يملكون الخبرة.. كل المسلمين يحلمون بإقامة دولة إسلامية، ويتمنون نشر الدعوة والإسلام..نحن نبكي حين نرى مثلا إنسانا أمريكيا يدخل في الإسلام.

ومن الأمور الغريبة أن نسبة من دخلوا الإسلام بعد أحداث 11 شتنبر ارتفعت، وحتى المحققين في غوانتنامو كنا نتحدث معهم عن أن تلك التفجيرات شوهت سمعة الإسلام فكانوا يضحكون ويقولون لنا العكس، وإن عدد من اعتنقوا الإسلام لا يتخيل.

صحيح أن هناك أمورا ربانية تحدث في الكون، لكن يجب أن نعمل العقل وليس السذاجة.. وأكثر من ينفر في سبيل الله سذج، وليست لهم الخبرة الفكرية ولا يقبلون النصيحة.

تقصد من يذهبون إلى سوريا والعراق؟

طيلة مدة مكوثي في “سجن سلا2” شاهدت السجناء العائدين من سوريا، واكتشفت أن أي إنسان له ذرة عقل لم يذهب إلى هناك. الشاب الذي يهاجر ويشارك ميدانيا في القتال ويرى بعينيه الفوضى والانتهاكات لا يتراجع بعدما تم غسل دماغه..

في حديث جانبي معك ذكرت لي اسم أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق الذي قتل على يد الأمريكان عام 2006، حدثنا عنه قليلا؟

كان من أصدقائي.. التقيته في باكستان عام 1990، وكان رجلا مهاجرا عاديا.. عرفته لمدة سنتين. أتذكر أنه استضافنا في بيته بباكستان بمعية فلسطينيين كانوا أيضا أصدقائي، فاستمتعنا بالأكل الشامي والفلسطيني.. كان رجلا عاديا وطيب الأخلاق.. فجأة سمعت باعتقاله في الأردن بتهمة تتعلق بانتمائه إلى تنظيم جيش محمد، فحكم عليه بالإعدام ثم أفرج عنه إثر عفو ملكي سبقته مصالحة بينه وبين النظام الأردني.

بعدما جاءت أحداث غزو العراق من طرف الأمريكان، وجد الزرقاوي نفسه مبايعا على رأس تنظيم القاعدة في العراق، وحمل السلاح هناك حتى قتل.

ما تعليقك على مساره الجهادي؟

أعرف تاريخ أبي مصعب الزرقاوي وماضيه.. مساره كان عاديا جدا، لكنه لما دخل السجن في الأردن تتلمذ على يد أبو محمد المقدسي، المعروف بنوع من الغلو، فصار تكفيريا؛ ولما خرج من السجن، خرج عن سيطرة شيخه وأستاذه، إذ إن المقدسي كان يقول إن ما يحصل في العراق ليس شرعيا، لكن الزرقاوي ومن على شاكلته كانوا يقولون: أنتم رجال ونحن رجال، فصار لا يقبل الكلام والنصيحة حتى من شيخه الذي علمه

شاهد أيضاً

الطاقة المتجددة في موريتانيا تشهد مشروعًا جديدًا.. بالتعاون مع ألمانيا

من المقرر أن تنتعش مشروعات الطاقة المتجددة في موريتانيا، من خلال إقامة مشروع طاقي تنموي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *