16 أبريل 2024 , 9:58

شعوب لا تستسلم و أخرى لا تستلهم/الولي ولد سيدي هيبه

AAB_0773

يضرب الزلازل العاتية كل مرة اليابان و تتلاطم، على أرضها المنتزعة من صفحة المحيط أرخبيلا، أمواجٌ عاتية تسندها في رحلتها إلى اليابسة رياح “تسونامي” القوية و هدير انشقاق الأرض أخاديدَ تغير التضاريس لتزرع الموت و الخراب، فيهب الشعب الياباني على قدميه و مشمرا عن سواعده بكل طاقاته الخلاقة ليواجه الكارثة في صمت و جد و حزم و عزم و تحد. و حتى إذا ما هدأت العناصر الهائجة، لا يرتفع إلى العالم عويل و لا صراخ و لا تمتد إليه أيدي الطمع في المساعدة و الاستغاثة، كلا بل يزداد التحدي و يتضاعف الإصرار و يبدأ للتو رأب الصد وع و إعادة الأعمار و إثبات قوة المكان في جوقة الأمم و تصدرها إلى أفاق المستقل.

و من اليابان تتعلم شعوب أخرى، كانت إلى الأمس القريب تقدم لعناصر الطيعة قرابين فادحة من الأرواح و الممتلكات، فتقرر التصدي و التحدي و الانتصار و تغليب إرادة البقاء. شعوب في “اتشيلي” التي لم تعد تكترث للزلازل و لا الأعاصير لأنها امتلكت ناصية التحدي  و إمكانات المواجهة و إصرار إعادة البناء و تسجيل نقاط في مباراة حاضر المستقل. دول و شعوب أخرى كـ”النيبال” و “الهند” على خط الزلازل و الأعاصير،  و مؤخرا في أمريكا اللاتينية، على شاكلة “تشيلي”، تتصدى “الاكوادور” لأعنف زلزال تشهده منذ 1979 و قد سجل قرابة الثلاث مائة وفات و مئات الجرحى، لكن هذا العدد بمنطق انتصار التحدي بعيد من الآلاف التي كانت تقضي في الماضي، و ها هي اليوم تلملم و تداوي جراحها بريق الإنتصار ،لأن الشعب “الأكودوري” لم يعد يقبل بأن تسحقه الكوارث و هو لا يحرك ساكنا في ظل قدرية ولى زمانها.

هي إذا الدروس في فن المواجهة و التحدي و التصدي تتعلمها الشعوب في مسيرة الوعي التي تختار و تختط به لنفسها المستقبل بعيدا عن القبول بأسباب الارتهان للضعف و الخنوع. و لكن لازمة هذا التحول و حمل مسؤولية البقاء على الأكتاف هي فقط تخطي عقبة الجهل و الخرافة و النظم الانتمائية البدائية الضيقة و العفنة التي ترهن ديناميكية الحاضر و آفاق المستقبل لحظات بقاء العاثر تغشاه ظلمات الظلم و الحيف و الكسل و الخنوع و النفاق و الاستعلاء المحمل أضاليل الخرافة و خزعبلات الماضوية.

إن العاصمة نواكشوط مهددة حقا بالغرق إن لم تُتخذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع ذلك و هي على العكس من كل ما يشاع ممكنة بل و موجودة سبقتنا إليها دول و شعوب ينشئ و يبني حتى البعض منها و من حين لآخر لضرورات التمدد جزرا على حساب البحار و المحيطات و يردم البعض الآخر نفس البحار و المحيطات لتزداد مساحتها كما فعلت البلاد الواطئة “هولندا” ذات و مرة و ضاعفت مساحتها ثلاث مرات لتؤوي صناعتها و تخلق مزارعها الأعجوبة.

و إن إيصال البحر إلى العمق مسألة إرادة و تحد يمكن رفعها كما فعل “لسبس Lesseps فربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض عبر قنال السويس ثم المحيط الأطلسي بالهادي و إن أخفق فأكمل الأمريكيون، و كما أبدع الإيطاليون في بناء مدينة البندقية، و مد الإماراتيون قنوات مياه الخليج بين أحياء المدن و فعل الصينيون من خلجانهم إلى حيث تقتضي ضرورة التطور و التنمية و تدجين الوقت و المساحات، و يعتزم “الإفواريون” و “الكامريون” و  الاثيوبيون و “المصريون” في الدلتا و صحراء سيناء، و اللائحة تطول لأن سبق الإصرار على ذلك هو بداية التحدي، و بداية التحدي هي نفاذ الوعي الصحيح إلى النفوس و الصحوة إلى العقول و عندها تبقى فقط الإرادة التي هي سر النجاح و النجاح غاية الوجود.

 

صحيح أن هذا التحدي و  مرادفه من الإصرار يحتاج إلى الرواد من أولي العزم البناة الذين لا يخذلهم واقع مهما تردى و لا يكسر طموحهم استسلام شعوبهم و جموح جبابرتهم و ظلمهم و فوضوية غوغائييهم اللاعبين على أوتار الرضوخ و الاستسلام لغابر المفاهيم و سطوة ورثتها.

و لكن صحيح بالمقابل أن ميلاد الرواد لا يكون إلا من صنع الأمم القوية التي تستلهم الدروس من حولها و لا تخشى أشواك الطريق المؤدية إلى بر التحول و الانعتاق و بناء الذات التي لا تسعها إلا دولة العدالة و السلم الاجتماعي و سيادة القانون و العقل الراجح.

شاهد أيضاً

تساؤلات من مراقب !!!/ التراد ولد سيدي

في ظروف توالد وتكاثر المبادرات التي يتنافس فيها الآخيرون مع الاولين في إظهار ولائهم الحقيقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *