29 مارس 2024 , 8:38

التوجه إلى العيادات الخاصة في البلاد.. استشهاد أم استشفاء ؟!/الدكتور محمد ولد الخديم ولد جمال

محمد ولد الخديم ولد جمال

جمع المواطن العادي – ولا أقول المواطن البسيط لأنه بمفهوم المخالفة لا يوجد مواطن مركب! – ما جاد به جبينه المتجفف الضنين إلا بقطرات عرق، استثارها كدٌّ مُجهدٌ ونوبات حمى تناوبية ما بين “الضنك” و”الوادي” و”الصفراء” وحمات كل ألوان الطيف المرضي الواسع ..!

 

يتوجه هذا المسكين في رحلة الوداع إلى عيادة خاصة، همس له أحد أقارب الحكيم سراً بجودة خدماتها وعبقرية صاحبها، المحاضر في أعرق كليات الطب في “العالم الأول”، المنهمك في إثراء سجله الطبي بتسجيل براءة اختراع هنا أو براعة إبداع هناك، صاحب أفضل البحوث الطبية التي نالت إعجاب لجنة تحكيم “جائزة نوبل في الطب”، وكانت بصدد انتزاعها بجدارة لولا عنصرية أبناء العم “سام”، الذي لم تتلوث مهنيته بمفسدات “الطِبابة”، المصر على عدم تجاوز العشر معاينات يوميا ..!

 

وما إن يلج المسكين الزائر مدخل العيادة المتواضع – خشية العين أو تورعا من جمع المال على حساب البؤساء الملهوفين – حتى يجد مئات المرضى يتكوَّمون في باحة العيادة الضيقة وممراتها المظلمة، وفنائها الخلفي الموحش.. يقوم بتأدية الواجب وينتظر ساعات وساعات واقفا أو مستلقيا على الأرضية الخالية من المقاعد، ليتسلى باجترار شريط ذكرياته فتستوقفه مشاهد تلفزيونية لمراكز الإيواء الحدودية في قارتنا السمراء ..!

 

وأمام فظاظة وفظاعة المحصِّل وبالكثير من الإصرار، ينجح في اختراق الطوابير المتدافعة ليدخل قاعة الانتظار، فليس أمامه الآن إلا مئة، بل مئتان وعشرات المواعيد والحبل على الجرار !

 

لا يسمح للضجر أن يتسلل إليه، فالمبتغى يستحق كل التضحيات، ومهنية الطبيب تمنعه أن يتخلى عن أي مريض دفع بالتمام والكمال . وأخيرا يُسعد بنظرة الحكيم الخاطفة وكأنه ماجاء إلاملتمساًدعواته أو متوسِّلاً بركاته ! ولا يعكر الصفو إلا انشغال الطبيب بتأليف مجلدات وصفته الطبية، والتي لا تراعي تدخلات دوائية ولا مضادات استطباب ولا حالته الفسيولوجية ولا طبيعة مرضه ..!

 

يستجدي الزائر انتباه الحكيم علَّه يتصدق عليه بما تيسر من الانتباه، لكن الحكيم المتعب يغطُ في تثاؤب عميق متشاغلا بساعته أو جواله، مفركا عينيه الحمراوين المجهدتين، ليفهم الزبون رقم 312 أن دوره قد انتهى بمجرد وقوفه على خشبة مسرح المحصل ..! لينسحب المسكين التائه وقلبه يعتصر هما وغيظا وأمامه بحر من التساؤلات:

– كيف لا يتعامل معنا الحكيم بالأبجديات المعلومة ضرورة للجميع ؟!

 

– ألا يقيس الحرارة والضغط والوزن، فيبادر بتبرير تصرفات طبيبه المجرب ..؟! 

 

فلربما أن المرضى هنا ليسوا من “ثابتي الحرارة Hemeothermes”، ومن المؤكد أنه لا وزن ولا ضغط عندهم، لأنهم لو كانوا كذلك لتعامل معنا الطبيب حسب الأصول، ولسأل عن: العمر، الحالة الاجتماعية، السوابق المرضية، الأمراض العائلية، تاريخ ظهور الأعراض، طبيعتها، مكانها، تقدمها مع الزمن، الأعراض المصاحبة، الظروف الاقتصادية – الاجتماعية، العادات، نظام الغذاء، العلاقة بالوسط المهني والعائلي …!

 

ولقام بـ: الجس، والقرع، والتسمع، ولدون الملاحظات في دفتر الملاحظات، ثم وثقها في السجل الخاص بالمريض “La fiche numeotee”، لكن “الحكيم” الحكيم يتعامل معنا كأوراق نقدية من فئة الخمسة آلاف، وليس وفق من نحن ولا وفق ما نستحق، بل وأكثر من ذلك ليس وفق ما يجب عليه هو أن يكون ..!

 

الدكتور محمد ولد الخديم ولد جمال

شاهد أيضاً

ما أصعب أن تُقاوم على جبهتين! / محمد الأمين الفاضل

منذ فترة ليست بالقصيرة، وأنا تترسخ لدي يوما بعد يوم قناعة مفادها أن هناك ضرورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *