خاص / الإخوان في موريتانيا : بين الأرقام المالية المشبوهة و اللعب على عواطف الطبقات الهشة ..( تحقيق صحفي )

منذ ظهور التيار ألإخواني في موريتانيا مطلع السبعينات أثيرت إشكاليات كبيرة حيث شكل الخطاب الديني جوهر الخلاف والاختلاف في مضامين الخطاب الرسمي للحركة الوليدة آنذاك بين من كان يراها إضافة نوعية للحفاظ على الموروث الإسلامي الذي هو المنطلق الحقيقي للجمهورية الإسلامية الموريتانية وهي ذاتها الرؤية التي ترى الحركة أنها فعلا كذلك , لكن الهزات الكبيرة التي تعرضت لها الحركة الإخوانية كانت كفيلة بأن تخرج إلى واجهة المشهد السياسي والفكري ما كان خفيا حول هذه الحركة المثيرة للجدل في موريتانيا خصوصا في مصادر التمويل واللعب على عواطف طبقات هشة على مدى عقود من الزمن مما ولد منعرجات واضحة ومخلة بالعمل السياسي والإسلامي وفق المعطيات التي تحصلت عليها وكالة المرابع ميديا في هذا التحقيق الصحفي
مسار الحركة
شكل ظهور الحركة في موريتانيا استغراب الكثير من الموريتانيين بصفته ” حركة إسلامية ” في مجتمع مسلم بالكامل وفي ظروف لم يألف فيها بعد مثل هذه الحركات ذات التوجه الديني خصوصا حين أطلقوا على أنفسهم ” الإسلاميين ” مما وضع عدة تساؤلات عند الرأي العام الوطني الناشئ آنذاك حيث اعتبر أن تسمية ” الإسلاميين ” توحي بأنه احتكار للدين الحنيف عن بقية فئات المجتمع الحركية والسياسية وهي الوضعية التي جعلت من الحركة منذ ظهورها في موريتانيا أن تعمل على أن تستقطب المزيد من المؤيدين والمناصرين باسم ” الدين الإسلامي وبصفتها الجهة الوصية عليه في بلد أتخذ من شعارات تأسيسه ” الشرف والعدل والإخاء ” تحت يافطة الجمهورية الإسلامية الموريتانية وهي تسميات كلها تحرص على أن الدين الإسلامي هو المرجعية الأولى والمنطلق الحقيقي فكيف لحركة باسم الإسلام أن تبرز في بلد مسلم وتريد لنفسها أن تتصف بذلك وحدها ؟ كما يتساءل كثيرون أهي الأنانية أم سياسية التضليل ولبس جلباب الإسلام دون باقي الحركات أم هي سياسية التكفير غير المباشرة كما يقول أخر؟
خطاب الحركة :
تميز خطاب الحركة الإسلامية كما يحلو لأصحابها أن يدور دائما بالقضايا التي تعمل الحركة على تحقيقها من خلال توظيف مقاصد الشرع ونصوص القران والسنة لإستقطاب عدد أكثر من الموريتانيين خصوصا الطبقات الهشة والمحرومة منذ الأنظمة البائدة التي كان الإخوان يعيشون في ظلها دون أي ترخيص كخلايا نائمة تعمل بصمت وتحت نجح الليل وهي الخطوة التي واجهتها بعض الأنظمة بالقمع والتنكيل والحبس أحيانا لكن الخطير جدا أن هذه الحركة عملت على توظيف النصوص الشرعية للعب على عواطف الناس بصفتها حركة تناضل من اجل الدين الإسلامي والحفاظ على أعراض المسلمين وهو ما كشفته بعض المعطيات التي تفيد بان حركة الإخوان في موريتانيا استهدفت الأسر الهشة التعليم والفقيرة ماديا لإقناعها بخطابها الديني مظهريا والسياسي خفيا من اجل الوصول إلى الحكم أحيانا وقلبه أحيانا أخرى وربما حادثة التسعينات التي ظهر فيها عدد من قيادات الحركة ” يقول ” أعيدوني إلى أهلي ” خير دليل على ذلك
مما جعل من هذه الحركة مكشوفة عند معظم المؤيدين لها سابقا فمنهم من لم يجد خيارا في مراجعة مواقفه فواصل مع زملاءه ومنهم من عاد لتصحيح مساره من جديد كي لا يكون شريكا في توظيف الخطاب الديني لأغراض دنيوية . كما يقول أحد هؤلاء لم يفضل كشف أسمه
مصادر التمويل وغسيل الأموال :
أثناء تحقيقنا في وكالة المرابع ميديا عن ” حركة الإخوان في موريتانيا ” تحصلنا على معطيات وأرقام كبيرة من مليارات الأوقية التي شكلت مصدر التمويل الأول لأنشطة الحركة ومشاركاتها السياسية ووفق المعطيات فإن هذه التمويلات تصل الحركة عن طريق مشاريع خيرية و مساعدات مالية من خارج البلاد وهي الوضعية التي تثير كثيرا من الشك حول أهداف هذه الحركة وعلاقات الخارجية
مشاريع خيرية لا تصل بالكامل :
تشكل التمويلات التي تمنحها المنظمات الخيرية في الخليج العربي لبناء بنية تحتية دعوية في موريتانيا كالمساجد والمحاظر والمعاهد الابتدائية المورد الاقتصادي الأول الذي تتم به تمويلات ودعم الأنشطة السرية والعلنية للحركة ” الإسلامية ” كما تصف نفسها على عموم التراب الوطني في تحايل واضح ومكشوف وفق المعطيات التي تحصلت عليها ” وكالة المرابع ميديا ” حيث يتم بناء المساجد خارج الهندسة المعمارية المرسومة لها سلفا عند الممولين الخليجين ليتم مثلا بناء مسجد لا يتجاوز طوله أربعة أمتار وعرضه أقل من ثلاثة تماما كما يتم تقليم الميزانيات المقدمة للمحاظر وطلابها والذين في الغالب يشكلون قواعد شعبية لهذه الحركة التي تنتهج في سياساتها الزبونية والتصنيفات الضيقة التي لا تستهدف في تمويلاتها إلا ذو حظ عظيم من المنتسبين للحركة والذين لم يقعوا بعد في شرك خطابهم الذي تدور حوله عديد التساؤلات وعلامات الاستفهام في مشهد يقول بعض المهتمين “إنه لا يخلو من الأنا السياسي و التوظيف الممنهج لصالح مجموعات على حساب الفئات المستهدفة أصلا من طرف الممولين الذين كثيرا ما أقنعهم التنظيم الإخواني على انه فاعل الخير الأول باسم الدين وهي ملاحظة تحمل في طياتها كثيرا من الإخلالات في بلد مسلم بالكامل فطريا
الإخوان والسياسة :
لم يكن لحركة الإخوان في موريتانيا حضور سياسي بالمفهوم القانوني والديمقراطي بشكل واضح وصريح كفاعل في المشهد السياسي إلا من حالات تبعية لإحدى الكتل المفسدة آنذاك مستخدمين في ذلك زرع خطابهم في المجتمع ويحملون بذلك شعارات مغلوطة باسم الدين الإسلامي الحنيف وهي الخطوات التي جعلت من التنظيم يواجه كل الهزات التي تعرض لها بالخوف أحيانا والانبطاح أمام مواجهة الأنظمة في تناقض صريح وواضح مع مبادئ كثيرا ما تشدقوا بها في خطاباتهم اليوم وفق خط الخطابات التي تحصلت عليها وكالة المرابع ميديا أثناء تحقيقها الصحفي وهو ما جعلهم اليوم يتحالفون مع عدوهم بالأمس القريب الذي رفض أن يمنحهم ترخيص حزب سياسي إسلامي معتبرا ذلك خرقا سافرا لنصوص الدساتير والقوانين المنظمة للعمل الديمقراطي مما فرض عليهم سياسة الخنوع والركوع لشعارات وهمية وجعل هذه الحركة في مواقف محرجة أمام الرأي العام الوطني بل حتى أمام معظم مؤيديها ومناصريها الذين تتنازعهم العاطفة بسبب الخطاب الديني المستخدم في الغالب من طرف الحركة والحاجة الماسة للسيولة المادية التي تحركها المنظمات والجمعيات التابعة للتنظيم المثير للجدل في موريتانيا
على مدى السنوات الأخيرة ظهرت حركة الإخوان في موريتانيا بشكل واسع في المشهد السياسي معتبرة المشاركة السياسية طريقها الوحيد إلى الحكم الذي يعتبر حلما كبيرا للحركة وقياداتها وهي الخطوة التي فشل فيها التنظيم العالمي للإخوان في مناطق مختلفة من العالم العربي بحجة الخطاب الأحادي والتشدد في الممارسات والخروج عن النصوص العامة للمجتمعات لكن اخوان موريتانيا لم يقتصروا أي جهد في الوصول إلى السلطة ومراكز التمثيل حيث كسبوا مقاعد مختلفة في التمثيل الشعبي وإن كان البعض يأخذ عليهم سياسة المارة والتضليل واللعب على عواطف الناس ممولين حملاتهم الانتخابية بالأموال العابرة للحدود وتلك التي وصلت عن طريق غسيل الأموال المتمثل في محطات النقل والبنزين والمجمعات التجارية وبيع الأدوية وحتى المدارس والمعاهد والهيئات والجمعيات ذات التمويل الكبير من طرف شركائهم في الخليج وبعض الدول العربية التي ترى بأن اخوان موريتانيا امتداد للفكر الإخواني وهي الفكرة الوليدة على المجتمع الموريتاني
إخفاقات الإخوان في مواجهة شعارات النظام :
أيام وصول الرئيس الأسبق سدي ولد الشيخ عبد الله للسلطة كانت حركة الإخوان شريكا معه في حكومته التي كانت مطبعة مع الكيان الصهيوني وهو ماراه كثير من المراقبين إخفاقا وضعت فيه الحركة نفسها حين كانت تدعو من قبل لقطع العلاقات مع إسرائيل مما تسبب في خرق سافر بين جمهورها وخطابها الذي يحمل في طياته كثيرا من أولوية الحركة بالشعارات الدينية فكانت شراكة الحركة مع حكومة ولد الشيخ عبد الله خير برهان على تلاعبها بمشاعر الناس والفئات الهشة ذات المستوى العملي المحدود … لكن تراجع الحركة أمام المشاريع الإسلامية ذات البعد القيمي والشعائري التي أنجزها نظام الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز كان كفيلا بان يضع خطاب الحركة على هامش من الارتجالية في الخطاب
البحث عن خروقات لا وجود لها أصلا
لكن يمين أبرز القيادات المشهورة بوفاة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز في مستشفيات باريس أيامها وهو اليمين الذي ما يزال مثار جدل واسع حتى بين الأوساط الاجتماعية والسياسية , فمنذ وصول الرئيس ولد عبد العزيز للسلطة قام بإنشاء إذاعة للقران الكريم وقناة المحظرة الشنقيطية وأعطى أوامره بطباعة المصحف الشريف على الطريق الشنقيطية وهي انجازات كثيرا ما طالب بها إخوان موريتانيا لكن المثير للانتباه أن الحركة لم تعترف بأهمية هذه الإنجازات التي كان من المفترض أن تكون أولوية في برنامجها الفكري والسياسي ولم تصدر حتى الآن أي تصريح يعبر عن قيمتها الإسلامية والوطنية والإنسانية وهو الموقف الذي يراه البعض إخفاقا بينا في وجه انجازات النظام الحالي
خاتمة : مثيرة هي الملفات حول واقع وأفاق الحركة الإخوانية في موريتانيا التي تحرك في حساباتها المالية الظاهرية والسرية عبر السوق السوداء عدة تساؤلات عن ماذا تريد الحركة في المستبقل ؟ وما علاقتها بالخطاب الديني ؟ لماذا توظيف الدين في السياسة الضيقة المفاهيم والممارسات ؟ . وماذا عن علاقتها بالأخر ؟ وإلى متى والغموض يحول حولها في مصادر التمويل وكذا كيفية التسيير ؟ ولماذا عدم الاعتراف بإنشاء إذاعة للقران وقناة للمحظرة ووجود مصحفي شريف على الطريقة الشنقيطية ؟
إعداد وكالة المرابع ميديا