19 أبريل 2024 , 21:12

ألاعلامي والسفير باباه سيد عبد ألله يكتب رحيل الشيخ اعلي الشيخ ولد امم : حديث الثلاثاء

باباه سيد عبد اللهمساء الثلاثاء، 11 أغسطس 2009،وأنا فى مدينة (أطار)،تلقيت مكالمة من الأخت العزيزة،أغلانا بنت مولاي أحمد ولد الغرابي، و هي من أوفى الأوفياء للمغفور له بإذن الله، الشيخ اعلي الشيخ ولد امم.
قالت ، بصوت مفعم بالفرح : “شيخنا سيستقبلك يوم الخميس، بعد صلاة الظهر، وعليك أن تكون فى (الدائرة) قبل منتصف النهار”.
و فى الموعد ، كان (غيثي)، أحد أبناء الشيخ الأفاضل، فى انتظاري عند مدخل (الدائرة)، وسرنا عبر فناء يغص بالمواشي المعدة للنحر أو الذبح إطعاما لسكان (الدائرة)، وإكراما لضيوف الشيخ الوافدين من شتى أصقاع العالم.
صعدنا إلى الطابق الأول لبناية فى الجهة اليمنى من الدائرة.
قبل دخول صالة الإستقبال،ألقيتُ نظرة عن يميني، وأنا أطل على الجهة اليسرى للدائرة.
كان المنظر مدعاة للتأمل فى بيئة خاصة و تعايُشٍ موزون: عريش متواضع،من حوْله أنعام وأغنام،و هيكل شاحنة متعطلة من طراز (مرسيدس1124) وقد تحوَّل صندوقها إلى مخزن للعلف والتِّبــــْن.
دخلنا صالة الإستقبال، وكان بها أشخاص،من مختلف الأعمار والأجناس، أذكر منهم سفير موريتانيا لدى الجزائر، الوزير الأسبق والأستاذ الجامعي بلاَّها ولد مكيه.
قال (غيثي) : أنت فى أيدى أمينة (فى تعليق على الحفاوة التي طبعت لقائي بالوزير بُلاَّها).
قام على ضيافتنا رجل مهذب ومضياف، قدم صنوفا من الشراب والتمور، قبل استقدام (أطاجين) من (فلكة الإبل) وطبق أرز تم طهيه بالبخار، دون لحم أو بهارات، إلا أنه أشهى من كل أنواع الأرز.
وقبل أذان الظهر بقليل،عاد (غيثي) ليخبرنا أن الشيخ سينزل إلى المسجد، وعلينا النزول للسلام عليه.
وما كدنا ننزل السلَّم المؤدي إلى المسجد، حتى كان المغفور له بإذن الله يصادفنا، عند الدرج الأخير من السلم، باسما فى وجه كل واحد من مستقبليه.
قلت له: أنا فلان ابن فلان، وأنشدتُ القصيدة التالية:
قُــطـْــبَ الــهِـدايةِ والكرامــةِ والنَّــدَى
وإمامَ مَـــــنْ نَــالُـوا الرَّجَا والسُّؤْدَدَا
بَـحْـــرَ العُـــلومِ ومُـــنْتَهَى الوَرَعِ الوليَّ
الـْـقَــانِـتَ الــــمُــــــــــــــــــــــــــــــــــتَــبَــتِّــلَ الـْمُتَـهَـجِّدَا
أَعْـــــلَى الشيوخِ مَـــراتِـــبًا الْــمُـنْفِـقــــــــــــــــــَ
الدَّاعِـــي إلى اللَّه التَّــــــــــقِـيَّ المُـرْشِدَا
يا شيخَنا اعْلِي الشيخَ يا مُسْتَـخْـلَفًـا
في الأرض…أنتَ المنْتَهَى والــــــــــمُبتَدَا
غَــــــــــــــــــــــــــــــــــوْثَ الأرامِــلِ واليــتامى كُــلِّــــهِم
يَـتَـفَــيَّـؤُونَ ظِلال جُودكَ مُـــــــــــنْــجِدَا
وإذا يُـــعَـــدُّ الــــــــــــــــــــــــــــمُنْـفِـقُــون بِلا أذىً
فَـالشيخُ اعْلِي الشيخِ أنْـداهُـمْ يَـدَا
وهُـــنَا(1) تَــعَـــــــــــــلَّمَ حاتِمٌ وسَمَوْأَلٌ
وهــــــــــــــنا اسْـتَـقَـامَ البَـذْلُ ثم تـَـمَـــدَّدَا
وهنا رياضُ الصَّالِـحينَ وحَـضْرةٌ
فيها أمانُ المُــوجِسينَ من العِـــــــــدَى
وهنا مصاحِفُ حُـــبِّرَتْ ومَــنابِـرٌ
وهنا الصراط المستقيمُ… هنا الهُـدَى
وهنا رجالٌ مُــخْـــبِــتُون لِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــربِّهم
دَوْمًـــا وليْـسوا يُـــخْلِفُــونَ المَوْعِدَا
وهنا أَماجدُ مِـن أماجِدَ صـفْوَةٍ
جَــعَــلوا الثُّـــرَيَّا مَـوْطِـــــــــنًا والفَرْقَدَا

 

ياربِّ بالسبع المَثاني نـــجِّــــــــــــــهِمْ
مِن شر مَن قد يبتَغِي أن يَحسِدَا
وافتحْ لهم أبوابَ خيركَ كلَّها
لا تُــبْــقِ بــابًا مِــن نوالكَ مُوصَدَا
وإذا تَــقَاصرَ شاعرٌ عن مَدحهم
فــلِأنَّ لُـــجَّــةَ مدحهم فوق المَدَى
هذى شَــهادةُ زائــــــــــــــــــــــــــــــــــرٍ أدَّيْـتُــهــــا
ويحِقُّ لي يا شيخَنا أن أشهدَا
(1) أقصد (دائرة الشيخ)
كنتُ، وأنا أنشد هذه القصيدة، أتطلع إلى قسمات وجه الولي الصالح،ويداه الكريمتان تداعبان لحيته والطرف السفلي من لثامه، وقدماه ثابتتان على الدرج الأخير من السلَّم.
وما إن أنهيتُ إنشادي، حتى بادر – رحمه الله برحمته الواسعة- إلى ضمي بطلف إلى صدره وقال: لا تبرح المكان، سيكون لنا لقاء بعد الصلاة”.
بعد الصلاة، طلب مني أحد مقربي الولي الصالح أن أتْبعه إلى سطح البيت، فكانت المفاجأة الكبرى: قطب الزمان الذي تضرب إليه أكباد الإبل من كل حدب وصوب، ويؤم دائرته المريدون برا وبحرا وجوا، يقيم فى عريش بسيط لا يكاد سقفه يحجب أشعة الشمس فى رابعة النهار، ويفترش حصيرا ينطق كل شبر منه بالزهد فى الدنيا والورع والتواضع.
قطب الزمان الذي تُحمل إليه صنوف الهبات والعطايا، كل أفعاله أفعال (يقين وتحويل): فقد (رأى) من فضل ربه ما لا يراه إلا الأولياء الصالحون ، و(علِمَ) ربه علم اليقين ، و(وجَدَ) الدنيا منقادة إليه ففر منها بالزهد والعبادة، و ما (ألفَى) نفسه يوما متكئا على أريكة، وما غره بالله الغرور، وقد (درى)، بنعمة وتوفيق من الله، كيف (يُــــصَيــِّرُ) الصعب سهلا، و(يجعل) آلام الناس آمالا، و (يتخذ) القرآن والسنة رفيقين فى عريشه وحيث ما حل وارتحل، و(يرُدُّ) حيرة وتشاؤم قاصديه إلى هداية وتفاؤل، و(يترك) الدنيا وما فيها إلى نعيم الآخرة، وما لمست يداه الكريمتان درهما ولا دينارا، ولا رفل فى أثواب البهرجة والهيلمان.
جلستُ قبالة قطب الزمان فأمسك بيدي اليمنى، مبتسما وقائلا: “لك أن تطلب من الله ما تريد”.
قلت: “لا أريد إلا رضا الله ورضا الوالدين، وأن يعطيني الله من خيره ما أجود به على المحتاجين والفقراء”.
ابتسم مرة أخرى، وكتب فى يدي كلمات لم أتبينْها، وقال: “البخيل من لا يضمن على الله،أنت بار بوالديْكَ فلا تخَفْ،سيكون لك من الله نصر وتمكين، ولا تنقطع عنا”.
تركتُ الولي الورِع تحت عريشه، و على السلَّم زائرون فى الإنتظار، فلحِقَ بي أحد مقرَّبيه عند الباب وقال: “هذه هدية شخصية من شيخنا: دراعة مخيطة باليد، ومبلغ مالي”.
تذكَّرْتُ حديثنا قبل قليل، فوزعتُ المبلغ المالي قبل أن أبرح مدينة (أطار) واحتفظت لنفسي بالثوب ما شاء الله.
وتعددت لقاءاتي لاحقا بأخي وصديقي الغالي(بِيَ) نجل الولي الصالح، وما التقينا إلا وطلب مني إسماعه القصيدة، وما سمعها إلا اغرورقت عيناه.
فلنفسي، ولكل أفراد عائلته الكريمة- فردا فردا-، ولكل مريدي الولي العارف بالله، ولكل المسلمين فى أنحاء العالم، أقر بانعقاد لساني فى هذا المصاب الجلل، وبحمد الله على التمكن من تحريف بين (الخنساء) فى هذا المقام، فما لا يُدرَك كله لا يُترَك جُله:
ولولا كثرة الباكين حول          على (اعلي الشيخ) كنت قتلتُ نفسي
رحم الله الولي العارف به، الشيخ اعلي الشيخ ولد امم، و إنا لله وإنا إليه راجعون.
الدوحة، مساء الثلاثاء،20 شوال 1434 هـــــــ، الموافق 27 أغشت 2013م

بقلم: باباه سيدي عبد الله

شاهد أيضاً

موريتانيا توقع اتفاقيات تمويل مع البنك الدولي

وقّعت موريتانيا والبنك الدولي، ثلاث اتفاقيات تمويل، وذلك على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *