24 أبريل 2024 , 3:11

موقف مسعود المنتظر

index.phpلا أعرف باليقين كيف يخطط السيد مسعود ولد بلخير استيراتيجيا لمواقفه السياسية، لكني أعرف أنه في أحايين كثيرة كان يفرض نفسه رمانة ميزان في المعادلة السياسية ويجعل كل من سواه يجلس مشبكا سواعده أو مفرقعا أصابعه ينتظر “موقف مسعود”.

كان مسعود ثائرا شديد الثورة في شبابه، ثم “صالح” ولد الطايع وحظي بالتوزير منه، ثم عارضه بعد ذلك، ثم زاد توغلا في الأمر بأن عارض معارضته أيضا، ثم أصبح قطبا مستقلا في الفعل السياسي بشعبية فئوية كبيرة ما لبثت أن زادت اتساعا وتنوعا بعد رئاسيات 2009، وهي شعبية في القلب منها حلف صغير من الناصريين الذين يتبادل وإياهم التأثير والتأثر، ولا يزال مسعود حتى اليوم رمانة ميزان الواقع السياسي.

هذا شيء لا بدّ أن أعترف به للرجل ولا يمكن لمنصف غير ذلك، لكني رغم ذلك أرى أن السيد مسعود منذ انتخابات 2007 التي فاز فيها السيد سيدي ولد الشيخ عبد الله أصبح يتخذ مواقف سياسية ميالة إلى السلطة الحاكمة بتعليلات لا تبدو مقنعة دائما لدعاة المبادئ وإن كانت تقنع كثيرا – بل تبهر – دعاة الواقعية السياسية والبصيرة بطرق المصلحة.

يقول الناس عن مواقف السيد مسعود في مرحلة ما بعد ولد الطايع الكثير من مما يقال ومما لا يقال؛ فمنهم من ينسبها بصراحة وقطعيّة إلى المال وما يلحق به من الظواهر والخفايا، ومنهم من ينسبها بثقة مطلقة إلى الوطنية المطلقة، ومنهم من يراها تعبيرا عن ذلك كله ممزوجا بقوة شخصية الرجل ورمزيته ومزاجه الخاص.

شخصيا أرى أن الرجل زعيم وطني له تاريخ كبير وعظيم، لكنه أصبح “زعيما يذوي”، بحكم سنه وسنّة الحياة وكثرة الشركاء والمنافسين الحقيقيين والمصنعين، وما هو وحده من يذوي؛ فجميع الذين شابت رؤوسهم وتقدمت بهم السنّ من السياسيين الوطنيين صائرون إلى ذبول سياسي إذا استمروا في ممارسه الشأن العام وعلى رأسهم السيد أحمد ولد داداه، ليس ذاك لأنهم لم يكونوا مميزين ورائعين في نضالهم وتاريخهم السياسي وفي صمودهم ونبل مواقفهم، بل لأن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين – ببساطة – يختلف في كل شيء تقريبا عن العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين التي شهدت ذروة عطاء هؤلاء.

الآن تجلس النخبة السياسية مصفّقةً ومعارضة على جانبي الطريق الذي سيعبره مسعود هذه الأيام تنتظر ماذا سيقرر الرجل، وبحسب ما لدي من معلومات فإن مسعود كان قد عزم وأعطى عهدا غليظا لأشخاص كثيرين بأن لا يشارك في انتخابات غير توافقية، وربما كان ذلك مما شجع منسقية المعارضة على موقفها برفض المشاركة.

لكن غير المطمئن أن أنباء بدأت تتسرب عن شبه اتفاق بين مسعود وولد عبد العزيز على حلف سياسي استيراتيجي بينهما، وهو اتفاق – إن صح ما يقال عنه – له سابقة شهيرة عام 2007 عندما اتفق الرجلان على دعم مرشح العسكر يومها سيدي ولد الشيخ عبد الله مقابل حصول مسعود على رئاسة البرلمان وقد كان له ذلك.

لا يُعرف السيد مسعود بنقض العهد، وأغلب من مارسوه يؤكدون ذلك، لكن مواقفه لا تخلو أحيانا من غرابة ومفاجأة لا تُتوقع، أو لا تتواءم مع عموم ما يكتنفها من رسائل سياسية عامة وخاصة يكون الرجل قد بعث بها إلى الأطراف السياسيين.

لقد قال الرجل ذات مرة على شاشة التلفزيون الحكومي إنه لا يمارس السياسة لأحد قاصدا أن مصلحة حزبة ومن يمثلهم هي ما يسوقه إلى مواقفه السياسية، لكنه أشار أيضا إلى أنه لا يشترى ولا يباع بالمال وكشف أن 20 مليون أوقية موّل بها ولد بوعماتو حملته في الانتخابات التشريعية عام 2006 لم تصرفه من موقف وقفه بعد ذلك عندما شفع رجل الأعمال عنده لمستشار بلدي في نواذيبو.

الأكيد أن مسعود لو قبل مشاركة ولد عبد العزيز انتخاباته هذه سيجني مصالح سياسية حزبية كبيرة وسيحصل على تمويلات انتخابية لن تكون أقل من 20 مليونا، والأكيد أيضا أنه إن رفض المشاركة في انتخابات غير توافقية سيكون قد احترم مبدأه الذي أعلن ومبادرته التي قدم وأثبت أنه ليس مجرد جسر عبور تجتاز فوقه السلطة إلى حيث تريد ومنع البلاد من مزيد من التوتر والاحتقان، فهل يفعلها مسعود؟ أرجو أن يفعلها، ثم إني سأبقى أحترمه أيَّ المسلكَين سلك.

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *