20 أبريل 2024 , 5:36

الصحفي محمد البقالي يروي قصة تحقيق اسرائيل معه

011

ضمن الجزء الأخير من “القصة الكاملة” لـ”الرحلة إلى غزة وأسطول الحرية”، ينقل الصحافي المغربي في قناة الجزيرة القطرية، محمد البقالي، تفاصيل التحقيق الذي أجراه ضباط الجيش الإسرائيلي، الذي اعترض سفينة “ماريان” السويدية، إحدى السفن التابعة لأسطول “الحرية 3″، التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة، من أجل كسر الحصار المفروض عليها منذ عام 2007.

ويروي البقالي، ضمن السلسلة التي خصّ بها هسبريس، لحظات التفتيش والتحقيق التي خضع لها طاقم السفينة السويدية، مع اعتقاله داخل زنزانة، قبل أن يتم ترحيله بعد أن أعلن وراقه المثول أمام محكمة إسرائيلية، إلى روما ثم إلى المغرب، حيث استقر به المقام في مراكش بعد الدار البيضاء.

وفيما يلي الجزء الأخير من “الرحلة إلى غزة”، كما خطه الصحافي محمد البقالي:

بالنسبة لنا نحن، كان جيش من المحققين والمفتشين في انتظارنا داخل الميناء. مرة أخرى تفتيش دقيق جسدي وإلكتروني استغرق ساعتين تقريبا قبل إحالتنا على التحقيق من جديد.

في الأثناء جاءني جندي صغير في السن. وطلب مني القن السري (code PIN) لفتح هاتفي آيفون 6 الذي سحب مني على السفينة.

رفضت. قال لي لا حق لك. يجب أن تعطينا الرقم. أصررت على موقفي. قال: في هذه الحالة لن نعيد لك هاتفك. أجبت: إذن تكونون سارقين.

قال الضابط الأكبر سنا: إسرائيل وجيش إسرائيل لا يسرقان.

أجبت: ماذا ستسمي انتزاع هاتفي وأغراضي وعدم إعادتها؟ لم يجب.

أُحلت على التحقيق من جديد. بعد الأسئلة الروتينية المتعلقة بالإسم والسن والمهنة. واجهني بتهمتي: هل تقر بأن خرقت القوانين الإسرائيلية وحاولت خرق الحدود؟

أجبت: ليس الأمر كذلك. أنا لا أعرف لماذا أنا هنا. كنت في المياه الدولية على سفينة سويدية. جاء جيشكم وأخذني إلى هنا. لم آت إلى إسرائيل ولا رغبة لي في ذلك. أنا أعتبر أني مختطف ولست في حالة خرق قانون.

استفزت كلمة الاختطاف المحقق. زم شفتيه . وقال لزميله بالانجليزية : كلهم يرددون نفس الكلام…

لم يطل الأمر كثيرا. قدم لي ورقة أحتفظ بنسخة منها تتضمن اتهامات بخرق الحدود من أجل التوقيع. رفضت. فأشر فيها على رفضي.

لم يطل الأمر بعد ذلك كثيرا. نقلنا الى سيارة الترحيلات.

السيارة معتمة تماما. محصنة بالكامل. تشبه زنزانة صغيرة جدا لا تتعدى مساحتها مترا ونصف. كنا أربعة نجلس ملتصقين ببعض. يوناس السويدي وجاك النيوزيلاندي وعمار النرويجي وأنا.

سارت السيارة قرابة ساعة من الزمن قبل أن يفتح بابها ويطلب منا النزول. علمنا أننا وصلنا إلى مكان الاحتجاز. المعتقل محصن بالكامل. أسواره عالية وسقفه موصد بشبابيك لا تسمح إلا مرور بعض الضوء والهواء.

ومرة أخرى كانت الكاميرات والتفتيش الدقيق. كان التعب والإرهاق قد بلغ منا مبلغه. تطلب الأمر ساعتين قبل أن تنتهي الإجراءات السخيفة التي تكررت خمس مرات هذا اليوم.

بسبب التعب الشديد، تحول موعد دخولنا إلى الزنزانة إلى لحظة سعيدة. كنا ثلاثة: شارلي من السويد وكالفن من كندا وأنا من المغرب. لم نتحدث كثيرا فقد غرقنا في نوم لم يوقظنا منه سوى طرق باب الزنزانة. قناصلة وسفراء الدول التي ينتمي اليها المعتقلون /من غيري طبعا/ قد وصلوا: قناصلة النرويج والسويد وفلندا وكندا… وهم يرغبون في الحديث مع المعتقلين من مواطنيهم.

سألني أحد المعتقلين: أنت ألم يأت قنصل بلدك؟

في نفسي أجبته: وهل كان ضروريا أن تطرح هذا السؤال المحرج لتذكرني بأني من بلد لا يهتم كثيرا لمواطنيه…

بقيت هذه الكلمات حبيسة صدري، ووجدت في المقابل مخرجا. قلت: ياصديقي العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل مقطوعة وبالتالي لا يوجد أي دبلوماسي مغربي هنا..

رد علي: لكن بالإمكان أن يأتي ممثل المغرب من رام الله أو من عمان ….

أجبت: ربما… ربما يكون في طريقه ولم يصل بعد…

في قرارة نفسي كنت أعرف أن أحدا من مسؤولي بلدي لن يسأل عني… وهم طبعا لم يخيبوا ظني.

الهواية: السخرية من الإسرائليين

في الزنزانة يمر الوقت بطيئا. كنا نزجيه بأحاديث طويلة. كالفن الرجل الستيني ذو اللحية البيضاء حكي لي قصته مع العمل التطوعي وكيف أنه أصيب بإعاقة خفيفة بيده في كولومبيا خلال إحدى مهماته الإنسانية. وشارلي حكي لي قصصه مع أسطول الحرية الأول والثاني مؤكدا أنه لن يتوقف. وسيعود في الأسطول المقبل…

كانت هواية شارلي المفضلة هي السخرية من الحراس. بين الفينة والأخرى يقف شارلي في باب الزنزانة وفيه فتحة صغيرة مشبكة تسمح بنفاذ الهواء والضوء ويتحدث بصوت عال مع بقية المعتقلين في الزنزنات الأخرى. في مرة صاح مناديا أحد الحراس: أنت هناك، ياصاح. حين اقترب الحارس قال له: أرجوك امنحني مفاتيح الزنزانة، وأعدك أني سأتركها في الاستقبال عند مغادرتي. النشطاء في الزنازين الأخرى يستمعون فينفجرون ضحكا.

الحقيقة أن السخرية تحولت الى فعل مقاومة ضد محاولات العزل وكسر الإرادة..

الترحيل..

جاءتنا مجندة. قالت إننا سنعرض على المحكمة لتبت في أمرنا. أعلن رفاقي في الغرفة رفضهم لذلك. وكذلك فعلت. فالقبول بالمحاكمة هو إقرار بشرعية محكمة لا نقر شرعيتها.

لم يصروا هم على عرضنا على المحكمة. وقرروا في المقابل ترحيلنا. بالنسبة لي كان هذا هو ما أنتظره بالضبط.

في اليوم التالي جاءت جاء أحد الضباط. وسألني هل ترغب في أن ترحل الى بلدك؟ أجبت: طبعا.

أجاب: هناك طائرة هذا المساء الى روما ومنها إلى المغرب. سنرحلك عبرها.

سألت: وماذا عن صاحبي عمار؟ قال: هناك طائرة ألمانية ستتجه إلى فرانكفورت ومن ثم الى أوسلو سيستقلها صباح الغد…

قلت لن أغادر إلا بمعيته وليس قبله.

لكن الإجماع كان من قبل شارلي وكالفن ووافقهما على ذلك عمار الذي كان في زانزانة أخرى يصلها صوتنا إذا علا، على ضرورة قبولي بالترحيل مساء، لأن وجودي خارج السجن أفضل لزملائي من وجودي داخله. على الأقل سيكون لهم صوت يدافع عنهم في الخارج إن اخلف الإسرائيليون ما وعدوا…

كذلك كان. في المساء تم تفتيشي من جديد وتسليمي للشرطة التي حملتني الى مدخل الطائرة مباشرة. تم تسليم جوازي الى الربان وأُجلست في آخر مقعد في الطائرة. كانت مليئة بإسرائيليين من أصول مغربية متجهين الى الدار البيضاء. عرفت من أحاديثهم بالعربية والانجليزية أنهم سيتجهون الى الدار البيضاء ومن ثم إلى مراكش. تحدثوا كثيرا عن جامع الفنا..

ثلاث ساعات من الطيران حطت بي الطائرة في روما… لم أصدق أن كل شيء قد انتهى.

شاهد أيضاً

تساؤلات من مراقب !!!/ التراد ولد سيدي

في ظروف توالد وتكاثر المبادرات التي يتنافس فيها الآخيرون مع الاولين في إظهار ولائهم الحقيقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *