23 أبريل 2024 , 16:16

تفجير كنيسة القديسين مرة أخرى../ سيد ولد محمد الامين

SIDI1زلزلت الثورة المصرية عقول الجميع، الحالمين بالحرية الذين أنوا عقودا تحت وطأة القمع والقهر، المتشائمون المنهزمون الذين رضوا بالواقع المؤلم، والمكابرين الذين أنكروا قدرة الإنسان على صنع عالم أفضل، فضلا عن عصفها بالمسيطرين المهيمنين على أنفاس وأقوات الناس من حكام وأعوانهم..

قامت الثورة المصرية لأن شخصا واحدا هو وحزبه يحكمون مصر من ثلاثين سنة دون أن يلوح في الأفق أي بديل عن سياساتهم المكررة التي لم تضمن العيش بكرامة وحرية..

قامت الثورة المصرية لأنه لم يعد أحد بمأمن من أن يلاقي مصير الشاب خالد سعيد الذي عذبه الأمن المصري حتى الموت ثم رموه جسدا هامدا على قارعة الطريق..

قامت الثورة المصرية لأن صناديق الاقتراع لم تكن مقنعة للشعب المصري بأنه يحكم نفسه بنفسه، فلا خيارات الحكومة تمثله (العلاقة الحميمة مع إسرائيل مثلا..) ولا سياسات القرى السياحية تتيح له إشباع حاجاته السياسية..

قامت الثورة المصرية لأن القوى السياسية الموجودة لم تستطع وقف الطغيان واستنزاف ثروات الشعب وتركزها في يد ثلة قليلة من أعوان النظام..

نجح المصريون في ظرف قياسي (18 يوما) عندما خرجوا ليعبروا عن أنفسهم مباشرة منتزعين صفة التمثيل عن القوى السياسية الموجودة.. لقد نزل صاحب الحق الأصلي بنفسه في 25 يناير ليأخذ حقه بيده..

عيش.. كرامة.. حرية..: المطالب بسيطة، واضحة، رددتها ملايين الحناجر ..

هكذا قامت الثورة المصرية في 25 يناير، ولأجل هذا.. وكل الأحداث التي وقعت بعد تنحي مبارك كانت صراعا بين القوى المساندة للثورة ممثلة في الجماهير التي كانت تنزل الميادين مؤمنة بضرورة إكمال ما بدأته يوم 25 يناير والقوى السياسية المساندة لها، والقوى المناهضة للثورة المزروعة في كل مكان: الجيش، بعض القوى السياسية، القضاء، الأمن، الإدارة.. وكل المؤسسات.

وكان من المفروض أن يكون الحكم الذي تؤسس له انتخابات ما بعد الثورة حكما انتقاليا فيه يحسم الصراع بين العقليات الجديدة التي تؤسسها الثورة في إدارة الحكم، والعقليات البالية التي ثار المصريون عليها.

لكن ما حصل هو أن الإخوان المسلمين (ممثلين في حزب العدالة والحرية ) استعجل ثمار نضالاته الطويلة ضد الأحكام السابقة في مصر، وأعتقدوا أن لحظة “التمكين” قد حانت عندما منحهم الشعب المصري ثقته من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية، وظنا منهم أنهم لم يعودوا بحاجة إلى الثورة، أو على الأصح حاجة مصر إليها، فبدأوا مسلسل الانفصال عن الشرعية الثورية ـ التي كانت الضامن لوصولهم للحكم ولاستمرارهم فيه ـ  مستندين على الشرعية الانتخابية.

هنا كان مربط الفرس ـ كما يقال ـ فالجماهير المصرية لم تثر على جماعة الحزب الوطني “الواطي” واستئثارهم بكل شيء لتستبدلهم بجماعة الإخوان، ولم تثر على الرئيس الذي كان من حقه اتخاذ قرارات لا تراجع برئيس آخر يقول أن قراراته محصنة!!

وانخرطت مصر في صراع سياسي بين القوى السياسية المنظمة المعارضة للإخوان وبين الإخوان، وأغفل الجميع في غمرة ذلك الصراع ـ خصوصا القوى المناهضة للإخوان ـ بقاء المتضررين من الثورة من أعوان النظام المطاح به، والذين لم يتم اجتثاثهم من مراكز القوة والذين يتربصون بالثورة.

وفي غمرة الحماس والشعور بضرورة حماية ما قاموا به في 25 يناير انخرطت الجماهير المصرية في حركة الـ30 من يونيو بعد تجييش غير خاف من القوى المناهضة للثورة، دون إغفال القوى المعارضة لحكم الإخوان أيضا حتى لا نكون غير منصفين وحتى لا نسلبهم إرادتهم فيما فعلوا، فقد كان فعلا واعيا، لكن تم استغلاله من طرف “الفلول” ولا يزال.

الجيش العظيم الذي عبر القناة وهزم إسرائيل، وحمى المتظاهرين في ميدان التحرير، وكان له دور عظيم في الثورة، لم يكن مطلوبا منه أي دور في الصراع السياسي في مرحلة ما بعد الثورة لولا ذلك الدور الذي منحه له الإخوان في مرحلة ما إبان الصراع مع القوى السياسية الأخرى، ولولا تهافت القوى السياسية المعارضة لهم على مغازلته والتلميح له قبيل 30 يونيو، وحتى في الخطاب قبل الأخير للرئيس مرسي الذي غازل فيه قادة الجيش صراحة!! مما يعبر عن انشغال محموم لكل الأطراف بالصراع السياسي.

هذا الجيش ضرب ضربته الموجعة في قلب مصر، فقد وضع حدا للشرعية الانتخابية يوم 3 يوليو بعزله الرئيس مرسي، ووضع حدا للشرعية الثورية حيث احتشدت معه قوى لم تجتمع خلفه إلا لاحتكاره للقدرة على الحسم: لفيف من القوى السياسية والمؤسسات الدينية والإدارية يختلط فيها الثوري بالانتهازي والفلولي.. جمع هذه القوى الخصومة ضد الإخوان، غير أن هذه الخصومة لم تكن لتحملهم على دعم انقلاب يرجع مصر خطوات للخلف، ويقتل الثورة تدريجيا، فما حصل من ممارسات عقب عزل الرئيس مرسي من تضييق إعلامي ودعاية مليئة بمفردات التخوين والتكفير، ثم أخيرا ـ فجر الأمس ـ قتل أكثر من 50 متظاهرا !!

ومهما كانت تفاصيل تلك القصة المؤلمة فستبقى نتيجتها غير المقبولة مطلقا، فإذا كانت رواية الإخوان صحيحة فقتل المتظاهرين أمر مرفوض، وإذا كانت رواية الجيش صحيحة فقتلهم أيضا مرفوض.

إنها عملية تذكر تماما بتفجير النظام البائد لكنيسة القديسين في الإسكندرية رأس السنة في 2011 إنها البصمة نفسها هنا وهناك!!

أعتقد ان الشعب المصري ليس بالغباء الذي يجعله يثور لأجل حماية شباب مثل “خالد سعيد” ويسكتون عن 50 خالد سعيد دفعة واحدة!!

وبالفعل بدأت قوى كانت على التلفزيون أثناء تلاوة بيان القضاء على الثورة في مصر تستفيق وتراجع حساباتها.

الثورة التي قامت كانت ثورة من أجل الحياة لا من أجل الموت والتدمير، من أجل الديمقراطية لا من أجل الانقلابات!!

نحن بحاجة لاستعادة ثورة 25 يناير.

سيد ولد محمد الامين

9 يوليو 2013

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *