18 أبريل 2024 , 6:37

محمد الشرياني يكتب: عزمي بشارة ‘المفكك العربي’

101103084639gjJQ-300x28611-150x150أطلق عليه البعض اسم “المفكك العربي” بدلا من وصف “المفكر العربي” الذي تسبغه عليه بعض الفضائيات، ولاسيما قناة الجزيرة، على الرغم من أن تاريخه لا يشير إلى ارتباط بـ”فكر” أصيل أو “هوية عربية” حقيقية. إنه عزمي بشارة، الإسرائيلي الجنسية وأحد منظري نظرية “الفوضى” التي ترفع شعارات الإصلاح والديمقراطية في حين أن هدفها الأساسي هو تفكيك المنطقة العربية على أسس عرقية وطائفية ومذهبية ودينية، خدمة لمشروعات خبيثة، في مقدمتها المشروع الإسرائيلي الذي يتماهى بشارة معه برغم ادعائه معارضته والعداء له.

ربما يبدو مثيرا ومدهشا للذين ينظرون إلى ظواهر الأمور، أن بشارة، المسيحي الذي يرفع شعارات قومية، يتفق مع يوسف القرضاوي، صاحب الأممية الإسلامية ومشروع الخلافة الذي يتناقض، بل يتنافر تماماً مع فكرة القومية ويعتبرها فكرة جاهلية، لكن الدهشة سرعان ما تزول حينما نعرف أن الاثنين، بشارة والقرضاوي، وإن اختلفت توجهاتهما إلى حد التضاد، يخدمان هدفاً واحداً وهو إغراق العالم الإسلامي في الفوضى من أجل إعادة رسم خرائطه من جديد، ولا مانع في ذلك من الاستعانة بقوى خارجية أو حتى التحالف مع جماعات إرهابية.

وعلى الرغم من أن بشارة يركز خلال المرحلة الحالية من مخطط الفوضى الذي يدعمه على بعض الدول العربية دون أخرى، فإن هذا المخطط لا يستثني أحداً، وإنما يشمل الجميع وفق أهــداف مرحلية وضمن خطط مرسومة بدقة، فيها أهداف تكتيكية مرحلية وأخرى استراتيجية طويلة المدى، وهذا ما يجب الانتباه إليه والتحذير منه.

منذ أن ظهر في ساحة الإعلام العربي، وخاصة بعد أن ترك إسرائيل واستقر في المنطقة بدءاً من عام 2007، عمل عزمي بشارة بدهاء على خدمة مشروعه من خلال رفع شعاري “القومية العربية”، و”العداء لإسرائيل”، وهما شعاران برّاقان استطاع من خلالهما أن يخدع الكثيرين، بل أن يتحول إلى “بطل” في أعين الباحثين عن بطولات زائفة لـ “أبطال من ورق”، برغم أن خلافه مع إسرائيل، في حقيقته، مصطنع، وارتباطه بالقومية العربية ارتباط مصلحي، ولولا أنه مسيحي لانخرط في جماعة الإخوان المسلمين، التي يدافع عنها، ما دامت أنها تحقق هدفه وتخدم توجهاته وتعمل كترس في ماكينة الفوضى الإقليمية.

لقد ضخم بشارة من مسألة خلافه مع إسرائيل، وربما اختلقها اختلاقاً، حتى يبدو بطلاً قومياً عربياً “يحارب” الدولة العبرية في عقر دارها.

لكن، دعونا ننظر سريعاً إلى تاريخه ومراحل حياته المختلفة ثم نترك للقارئ الفطن اكتشاف حقيقته وعلاقته بإسرائيل ومشروعها لإضعاف العالم العربي وتفتيته. فقد تربى بشارة في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ودخل الكنيست “البرلمان” لمدة ثلاث دورات متتالية، حيث أقسم على الولاء لدولة إسرائيل، بل إنه حاول الترشح لرئاسة الوزراء فيها في عام 1999، ولم يكن، حتى خروجه منها، ينتقد ديمقراطيتها، بل كــان يشيد بها ويعتبر أن مشكلة فلسطينيي 48 الذين ينتمي إليهــم ليست مشكلــة احتلال، وإنما مشكلة أقلية تطالب ببعض الحقــوق. لكن حينمــا استقال من الكنيست بدعوى مطاردة السلطات الإسرائيلية له بسبب “مواقفه السياسية” من عدوان إسرائيــل على لبنــان في عام 2006، تحول فجأة إلى قومي عربي معاد لإسرائيل، والغريب أنه وجد من يصدقه ويدافع عنه ويعتبره ضحية للعنصرية الإسرائيلية. وعندما قرر عدم العودة إلى إسرائيل كان يمكنه أن يذهب إلى أي بلد أوروبي، وخاصة ألمانيا التي تعلم فيها وحصل على شهادة الدكتوراه منها، لكنه اختار أن يظل في المنطقة العربــية؛ لأنها هي الساحــة لمشروعـه الفوضوي التفتيتي، والمثير في الأمر أنه لم يتخلَّ عن جنسيته الإسرائيلية برغم خطابه الزاعق في الفضائيات العربية حول عدوانية إسرائيل وعنصريتها.

إن عزمي بشارة هو نموذج لـ”المثقف” المتلون الذي يلعب على كل الحبال من الشيوعية إلى القومية إلى دعم قوى التطرف الديني، ومن الانخراط في العمل السياسي الإسرائيلي، بل امتداح “الديمقراطية الإسرائيلية” إلى رفع شعارات الانتقاد والعداء لها، وهو بهذه السمات يعد الاختيار المثالي لأصحاب مخططات الفوضى في العالم العربي.

والحق أن بشارة كان وما يزال أفضل من يخدم هذه المخططات الهدامة ويروج لها، بل يقنع قطاعات مختلفة بها، مستخدماً أداتين أجاد اللعب بهما وتطويعهما لتحقيق مآربه في التأثير في العامة والنخبة على حد سواء؛ فقد كان مدركاً منذ البداية أهمية الإعلام في التأثير على العامة في العالم العربي وتشكيل توجهاتهم أو تشويهها، ولاسيما إذا كان الدخول إلى عقولهم من باب انتقاد إسرائيل ورفع شعارات العداء لها، ومن ثم أعطى أهمية كبيرة للإعلام، وخاصة الفضائي منه، في معركته لكسب الرأي العام العربي، واعتمد في ذلك على قناة “الجزيرة” التي فتحت له نافذة كبيرة ليطل من خلالها على المشاهد العربي ويبني نجوميته التليفزيونية ويقدم آراءه غير البريئة حول المنطقة والعالم.

وإضافة إلى الإعلام، فإن بشارة وضع، ويضع، مخطط الفوضى في إطار “فكري فلسفي” لإخفاء معالمه، وذلك من خلال الحديث بلغة المفكر والفيلسوف لمخاطبة النخبة المثقفة واستقطابها.

قد يبدو عزمي بشارة في نظر البعض “رجل المتناقضات”، لكنه في الحقيقة يتحرك بوعي كامل لما يفعل ولما يريد. وإذا كان قد استطاع خلال السنوات الماضية أن يخدع، بشعاراتــه الزائفة ومفرداتــه المغلفة بلغــة العلم والفلسفة، قطاعات من النخبة والعامة في العالم العربــي، فقد آن الأوان لكشف حقيقتــه وحقيقة مخطط الفوضى الذي يتحرك في إطاره.

*باحث إماراتي

شاهد أيضاً

تساؤلات من مراقب !!!/ التراد ولد سيدي

في ظروف توالد وتكاثر المبادرات التي يتنافس فيها الآخيرون مع الاولين في إظهار ولائهم الحقيقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *