20 أبريل 2024 , 10:20

هذه دلالات وسياقات الإقرار الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء

أصدر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قبل أسابيع مرسوما رئاسيا يقضي بسيادة المغرب على صحرائه، وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع قليلة من قيام المغرب بتأمين معبر الكركرات الذي ثمنته كثير من الدول، وعيا منها بأهمية الخطوة في تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين بالمنطقة.

لا يمكن عزل الموقف الأمريكي الأخير عن التطورات التي شهدها ملف قضية الصحراء في السنوات الأخيرة؛ فقد استطاع المغرب أن يتحرك على مستوى عدد من الدوائر، حيث أفلح في تحييد الاتحاد الإفريقي، على اعتبار أن تدبير القضية يندرج ضمن الاختصاص الحصري لمنظمة الأمم المتحدة بشكل عام، ومجلس الأمن على وجه الخصوص، كما أن طرح مشروع الحكم الذاتي مثّل ورقة مهمة في هذا السياق، بعدما حظي بترحيب دولي واسع، خصوصا وأن المشروع يوازن بين خياري الاستقلال والوحدة في إطار سيادة المغرب، كما أنه يقوم على التفاوض، وعلى إشراك السكان وتقاسم السلط التي تمكنهم من تدبير شؤونهم بشكل حرّ وديمقراطي، بما يدعم تحقيق التنمية وتوظيف الإمكانيات البشرية والمجالية في تحقيق هذا الرهان

رغم ظهور محطات برزت فيها مواقف أمريكية ملتبسة من قضية الصحراء المغربية، والتي لا تعدو أن تكون مجرّد مزايدات انتخابية عابرة، إلا أن ثمّة ثوابت دأبت الولايات الأمريكية على استحضارها في هذا الشأن، بغضّ النظر عن طبيعة إدارة البيت الأبيض أكانت من الجمهوريين أو الديمقراطيين، ويتعلق الأمر بالتأكيد على أهمية وواقعية مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب عام 2007.

لا يمكن فصل الموقف الأمريكي الأخير عن السياق العام والتاريخي للعلاقات الودية بين الجانبين؛ فهذه الأخيرة تعود إلى قرون عدة مضت، ذلك أن المغرب كان أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، وتربطه بها علاقات صداقة منذ عام 1786.

في منتصف القرن الماضي، حرصت الولايات المتحدة على دعم استقلال المغرب، كما اعتبرته من الدول الصديقة، بل وظلّت ترى فيه بلدا حليفا خلال فترة الحرب الباردة. وفي عام 1975 بدأت العلاقة تتطوّر بشكل ملحوظ مع الدور الهام الذي قامت به الولايات المتحدة في قضية الصحراء المغربية وجهودها في إقناع الطرف الإسباني بالتوقيع على اتفاقية مدريد.

ومع حلول سنوات التسعينات من القرن الماضي، وما رافق ذلك من تحولات دولية كبرى، بعد نهاية الصراع الإيديولوجي وسقوط جدار برلين، أصبحت الولايات المتحدة تستأثر بمكانة دولية وازنة. وفي هذه المرحلة، ومع اندلاع أزمة الخليج الثانية نتيجة دخول القوات العراقية إلى التراب الكويتي، أرسل المغرب حوالي 1300 عسكري إلى السعودية في مهمة دفاعية، وبعد ذلك ستتعزّز هذه العلاقات بتوجّه الولايات المتحدة إلى إعادة جدولة الديون لفائدة المملكة.

ومع الانخراط الجاد للمغرب في مكافحة الإرهاب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر لعام 2001، ضمن الجهود الدولية المتخذة في هذا الخصوص، ستعرف العلاقات بين الجانبين تطورا ملحوظا، بخاصة وأن المغرب اختار خلال هذه المرحلة من تطور النظام الدولي تنويع شركائه، وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تهتم من جانبها بتعزيز علاقاتها مع دول القارة الإفريقية على المستويات الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية.

وتشير المعطيات الإحصائية إلى أن رقم المعاملات الاقتصادية بين الجانبين تضاعف إلى أكثر من 300 مرة بعد التوقيع على اتفاقية التبادل الحر بين البلدين عام 2006، التي مثلت نقطة تحوّل هام في العلاقات القائمة بين البلدين. ومع ذلك، يرى كثير من المراقبين والخبراء الاقتصاديين أن هذه العلاقات لم تتطور بالشكل المطلوب، وما زالت بحاجة إلى تعاون أكبر على هذا المستوى، خصوصا وأن حصة الولايات المتحدَة من الاستثمارات بالمغرب تظلّ ضعيفة ولا تتجاوز نسبة 8 بالمائة.

أما فيما يتعلق بالتعاون الأمني، وبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي للمغرب، فقد شهد تطورا ملحوظا، عكسه حجم التنسيق في هذا المجال ضمن الجهود الرامية لمواجهة الجماعات المسلحة في المنطقة، بعد تنامي التهديدات العابرة للحدود في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما نتج عنه إعلان الولايات المتحدة المغرب حليفا استراتيجيا خارج حلف الناتو في عام 2004.

إن المبادرة الأمريكية الأخيرة، هي استمرار للثوابت التي تحدد ملامح السياسة الخارجية الأمريكية إزاء قضية الصحراء المغربية، وبخاصة فيما يتعلق بالتأكيد على جدية وواقعية مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب لحل النزاع، كإطار يلبّي تطلعات الساكنة في تدبير شؤونها في إطار من السلم والكرامة

ينطوي التوجه الأمريكي الأخير على أهمية قصوى، بالنظر إلى كونه صادرا عن قوة دولية لها مكانتها في النظام الدولي الراهن وتحظى بالعضوية الدائمة داخل مجلس الأمن المسؤول الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وهو ما سيعزّز الموقف المغربي، ويدفع مجموعة من الدول الأخرى إلى تبنّي الخيار نفسه، كتعبير عن الثّقة في الجهود الجادة والواقعية التي طرحها المغرب كسبيل لطي هذا الملف.

كما أن فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة، تبعا لما جاء في مضمون المرسوم الرئاسي الأمريكي، يمثل إشارة إيجابية تعكس استيعاب الفرص التي تتيحها هذه الأقاليم على مستوى الاستثمار والقناعة بمناخ الاستقرار فيها، ما يساهم في تطوير وتعميق العلاقات بين الجانبين من جهة، ويشكّل من جهة أخرى محطة هامة لتعزيز التنمية داخل هذه المناطق التي يسعى المغرب إلى جعلها تستأثر بمكانة متميزة كبوابة للانفتاح على المحيط الإفريقي

“إدريس لكريني” أستاذ العلاقات الدولية في كلية الحقوق بمراكش

شاهد أيضاً

إعلان من الشركة الوطنية للماء (snde)

إعلان——-تعلن الشركة الوطنية للماء snde عن فتح أبواب مراكزها التجارية أمام زبنائها يومي السبت 20 …