16 أبريل 2024 , 6:19

  المعلم في موريتانيا..الواقع الذي تم تكريسه عقودا من الزمن / قسم التحقيقات

حصري: صحيفة  ” المرابع”  تنجز ملفا حصريا متكاملا عن واقع المعلم وظروفه وأدائه.

 

يبدو جليا من خلال كل التصريحات الرسمية ، أن الدولة ترى أن تطوير التعليم أصبح ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة واستمرار الوئام الاجتماعي .

 ورغم الجهود التي بُذِلت، إلاَّ أن المؤشرات تؤكد أن الطريق لا يزال طويلا مليئا بالمطبات.

 فالمنظومة التعليمية في البلد تعاني مشكلات بنيوية عديدة مركبة ومتداخلة، وحاولت الدولة كثيرا التعاطي معها دون أن يتجسد ذلك على أرض الواقع.

ويرى المعلمون أن السبب الرئيس فيما يصفونه ب ” الإخفاقات ” المستمرة التي تعاني منها كل محاولات إصلاح التعليم ، أن معظمها أوكلها لم يستهدف حجر الزاوية في العملية التعليمية وهو المعلم بما يفضي إلى تغيير واقعه المادي ومن ثم الرفع من أدائه العلمي ومستواه المعنوي.

كما لم يتم أخذ رأي المعلم في تلك الإصلاحات بعين الاعتبار، رغم أنه أدرى الجميع بشعاب التعليم.

و قد ألح المعلمون كثيرا على ضرورة إشراكهم بشكل فعال في إصلاح العملية التربوية مؤكدين أن ” المعلم هو الركيزة الأساسية والنواة الحقيقية في أي عملية إصلاح ولا يمكن تجاهله”.

تكريس واقع

يرى عديد المتابعين أن استراتيجية الدولة لم تتغير كثيرا إزاء التعليم ، واقتصرت معظم الجهود الرسمية على أمور جلها شكلي موجه لاستهلاك الإعلام وتهدئة الأعصاب ، أكثر مما يمس جوهر القضية ويضع لها حلولا تعالج المشكلة على المديين المتوسط والقريب.

ولم تتجاوز مساعي تطوير التعليم سوى شعارات منها إعلان عام 2015 ” سنة وطنية للتعليم” وهو ما جعلها تمر دون أن يبقى لها أثر سواء على مستوى نسبة النجاح في الامتحانات الوطنية أو على المستوى المادي للمدرسين عموما.

وظل افتتاح أي سنة دراسية يجري روتينيا دون تقديم استراتيجية ترفع من الأداء العام وتغير الواقع جذريا وتبحث واقع حجر الزاوية في العملية التعليمية والتي هي المعلم.

فالقضية كلها تعود إلى واقع المعلم والثغرات الكثيرة التي تحد بشكل كبير من كفاءته وأدائه،  حسب ما أجمعت عليه كل نقابات التعليم في كل عرائضها المطلبية.

ثغرات كبيرة..

يعاني قطاع التعليم من ثغرات كبيرة حسب المتابعين، من هذه الثغرات الافتقار إلى الصرامة في إجراء المسابقات فبعد أن كان التعليم أكثر المهن صعوبة ودقة، صار عمل من ليس لديه عمل، فهو ملاذ الهاربين من البطالة والباحثين عن التوظيف والحصول على الاعتمادات المالية وبالتالي ولوج الوظيفة العمومية.

فالقطاع يعاني من ” الدخلاء” ، أي من دخلوا التعليم قسرا بحثا عن التوظيف فقط ، وليس لدهم ولاء للمهنة التي ينتظرون أي فرصة سانحة للرحيل عنها.

يضاف إلى هذا عمليات تحويل المعلمين غير الشفافة، حيث تتم دون مراعاة لمعايير الأقدمية والأداء وغيرها حسب ما ظلت النقابات تؤكد عليه.

الترقية هي الأخرى تعاني من نفس المشاكل، حيث يشكوا المعلمون من عدم مراعاتها لأي معيار غالبا خاصة منها المتعلقة بالمكاتب والإدارات والقطاعات..

واقع تم تكريسه عقودا من الزمن، وقد خلف نتائج كارثية على القطاع بصورة عامة.

مشاكل بنيوية

يعاني التعليم من مشاكل بنيوية معقدة ومتشابكة تزداد مع الزمن وتتعقد، وقد نتج عن الأوضاع السابقة أمور ما يزال التعليم يدفع ثمنها.

فقد أصبحت العاصمة انواكشوط والمناطق القريبة منها وعواصم بعض الولايات ، تعج بمئات المعلمين وكل مدرسة وإدارة لديها فائض من المدرسين.

في المقابل تعاني الكثير من المدارس في الداخل خاصة المناطق البعيدة نسبيا ، من عدم وجود المعلمين ومن غيابهم الكثير مما أفرغ العملية التعليمية من محتواها وأصبحت شكلية في معظمها.

يضاف إلى هذا عدم وجود أو ضعف،  المحفزات المهنية والتكريمات والتشجيعات التي يشكوا المعلون دائما من عدم وجودها وإن وجدت تكون قليلة وغير مشجعة عموما ولا تجد الزخم الإعلامي المفترض.

هذا فضلا عن غياب التفتيش الذي ينتج عنه تقييم للمحتوى التكويني للمعلمين، وغياب الإشراف المباشر على المعلم..

فضلا أيضا ، عن معضلة أخرى هي الأهم ألا وهي الغياب التام للتكوين المستمر حسب النقابات.

التفاتة جديدة..

تحتفل الأسرة التربوية الدولية سنويا باليوم العالمي للمعلم  الذي يوافق ال 5 أكتوبر من كل عام، وذلك منذ 1994، للإشادة بدور المعلمين حول العالم.

وبمناسبة هذا اليوم ” قدم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني ، تهانئه الحارة للمدرسين بهذه المناسبة معربا لهم عن خالص الشكر على كل ما يقدمونه من تضحيات في سبيل أداء رسالتهم النبيلة، مؤكدا أن الحكومة ستمضي قدما في تحسين ظروفهم المادية والمعنوية” وفق بيان مجلس الوزراء في ال 7 من أكتوبر الجاري.

وتعتبر هذه أول التفاتة إلى المعلم بهذا المستوى ، خاصة وان رئيس الجمهورية أكد على أن الحكومة ستمضي قدما في تحسين ظروف المعلم المادية والمعنوية.

ومن جانبه أكد وزير التهذيب الوطني محمد ماء العينين ولد أييه في تعليقه على نتائج اجتماع مجلس الوزراء ذاته ، على أن ” إصلاح التعليم سيصاحبه تحسين ظروف المدرسين والعناية بهم”.

وهو ما يعني أن الدولة لديها استراتيجية جديدة للتعامل مع العملية التعليمية كمنظومة شاملة ومتكاملة في جوانبها العلمية والتربوية وفي جوانبها البشرية.

 

واقع المعلم..

تلخص العرائض المطلبية التي تم رفعها كثيرا من طرف النقابات، واقع المعلم وما يطلبه من الجهات المعنية  في البلد.

وتتلخص أساسا في تحسين وضع المعلم الاقتصادي عموما من خلال زيادة العلاوات، وتحسين الرواتب، وتوفير السكن اللائق واعتماد معايير شفافة وواضحة في الترقية و التحويل .

وقد نفذ المعلمون عشرات الوقفات في العاصمة انواكشوط كما نظموا وقفات احتجاجية في الولايات الداخلية  وذلك لحمل السلطات على تلبية مطالبهم.

كما شكا المعلمون دائما من  “عدم تجاوب الجهات المعنية، مع عريضتهم المطلبية” حسب البيانات التي تصدر عن النقابات.

كما تحدثت بيانات نقابية أخرى عن ما أسمته “استمرار التعامل الاحتقاري والتجويع المتعمد للمعلمين من قبل السلطة”.

 واستغربت ” الحديث عن تنمية وعن مستقبل زاهر في ظل حالة الإهانة والتقتير الممارسين على المعلمين” حسب نص أحد البيانات.

 

حماية المعلمين..

وتقول النقابات إن المعلمين يتعرضون للمضايقات والاحتقار

في 29 ابريل 2019  نظم عدد من المعلمين في العاصمة نواكشوط وفي عدة ولايات من الداخل، احتجاجا على الاعتداءات التي تعرض لها بعضهم في عدة مدارس.

 ونددت النقابات بما وصفته ” بظاهرة الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها المعلمون في حرمهم المدرسي بين الفينة والأخرى”.

وأضاف البيان أن المعلمين يتعرضون لاعتداءات “ في ظل صمت رهيب من الجهات الرسمية التي لم توفر للمعلم حماية، بعد أن أهدرت حقوقه وفاقمت وضعه المادي والمعنوي” حسب البيان.

وتعرض عدد من المعلمين للاعتداء في بعض المدارس ، وكان من بين تلك الاعتداءات تعرض إحدى المعلمات للضرب من قبل بعض أولياء التلاميذ آخر ابريل 2019.

 

تصنيف التعليم:

يقول المهتمون إن موريتانيا ما زالت تتذيل قائمة الدول العربية من حيث جودة التعليم.

ففي سنة  2015  وهي السنة التي أعلنتها موريتانيا سنة للتعليم صنف مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس موريتانيا في المرتبة 12 عربيا لعامي 2015 و2016.

وجاءت موريتانيا في التصنيف بخلاف كل دول الجوار، مثل المغرب والسنغال رغم الجهود التي تتحدث عنها الحكومة،والمبذولة لتغيير واقع القطاع.

وعموما من المجمع عليه لدى الكل،  أن المعلم يعاني أوضاعا مادية صعبة تحول دون أدائه رسالته وتطوير عطائه ومادام المعلم كذلك فلا يُتوقع تطوير للتعليم وإصلاح.

 

 

 

شاهد أيضاً

رئيس الوزراء البلجيكي يجدد الدعم لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية

جدد رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، موقف بلاده المعبر عنه سنة 2022، الذي تدعم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *