29 مارس 2024 , 7:17

هل قدم المثقف الموريتاني شيئا يذكر للمواطن ؟ / عبد الله ولد اكوه

 

قبل أن يضيع الرد في ثنايا المقال لا بد أن نستهل بادئ ذي بدء بالاجابة بالنفي قلت لم يقدم المثقف منذ الاستقلال في سبيل رفاهية واسعاد مواطنيه ذكرا أمام واقع مرير ظل فيه المواطن العادي يحترق حسرة وألما من أجل مقاومة التجديف والخذلان. رغم ما كنا نعتقده من أن “النخبة المثقفة هي طليعة التغيير” وهي انتقال من الفكر القاحل إلى الفكر الساحل, للإضطلاع بتغيير واقع مجتمعها السياسي والاجتماعي والتعليمي نحو الأفضل. فتلتحم بواقع الناس وتنشر الوعي بينهم، وتستنهض الهمم وتشجب الفساد وتتصدى لأهله وللجور والبغي والطغيان. وتضحي بالغالي والنفيس من وقتها ومالها وجهدها في سبيل إسعاد الفقير ومواساة المحتاج وتنفيس كربات الأيتام والأرامل والمعوزين… والعمل على المبادئ السامية التي تحقق كرامة المواطن وبناء الوطن وخلود العمران حسب تعبير ابن خلدون. وبعد هذه الديباجة أو العجالة على الأصح فإننا نطرح التساؤلات الآتية : هل أن النخبة المتعلمة أو المثقفون يمثلون فعلا طليعة التغيير في البلد؟ هل تهمهم المصلحة الوطنية ? أم أن النخب المثقفة إنما تحرص كما نشاهده فقط على تسمين أرصدتهم البنكية وتأمين مراكزهم الاجتماعية بأي ثمن ؟

هل هذه النخب المتعلمة حتى لا أقول المثقفة هي حقيقة من الثقافة بمكان. لأن من شروط المثقف الحقيقي أن يكون عضويا حسب تعبير GRAMSCI أي ملتزما بهموم وقضايا واقعه الاجتماعي والسياسي ومنخرطا فيه بإيجابية من أجل صناعة التغيير. إن واقع هذه النخب في البلد اليوم يكشف لنا عن حقيقة مُرّة وهي أن هذه النخب لا تساهم إيجابا في تغيير الواقع نحو الأفضل، ولكنها تعمل على تكريس كل مظاهره السلبية والمهلهلة والقاسية والحالكة، أو تقوم بتزويره -طواعية واختيارا- من خلال الانخراط وبقوة في عدة ممارسات تبريرية مخادعة ومخجلة، باسم “العلم والتخصص” و”الخبرة والمصداقية” و”البحث والحكمة “

ومن تلك الممارسات اللافتة للانتباه والتي تزداد استفحالا والتي نذكر منها ما يلي:

*  استطابة الريع السياسي, ذلك أن بعض نخبنا المتعلمة من أطباء ومهندسين وأساتذة وأطر في جميع  المجالات الحيوية  مثل الصناعة والزراعة والمعلوماتية وغيرها التي تحتاج إليها الدولة لتطوير مرافقها وتجويد خدماتها لم تستفد الدولة منهم شيئا يذكر بسبب ارتماءات أصحابها في أحضان السياسة حيث استطاعوا من خلالها ولوج مقاعد البرلمان لتعميره والاعتكاف فيه لولايات عديدة ومتتالية أو من خلال إنتدابهم للعمل في وظائف أخرى في الوزارات أو تمتعهم بالتفرغ الوظيفي سنين عددا وما يصاحب ذلك كله من امتيازات مادية باذخة ووجاهة مجتمعية مغرية والتي استطابها واستحلاها هؤلاء “الفاعلين السياسيين”  مستأنسين على الأمد الطويل بأدبيات السجال السياسي حتى نسوا ابجديات تخصصاتهم فأنستهم !!

*  تبييض السياسات الفاسدة والمفسدة من خلال انخراط طائفة منهم وانضمامها لبعض الضالعين في منظومة الفساد والذين يمسكون بخيوطها تأسيسا وتدبيرا واستدامة، ويشتغلون عندهم تحت مسمى “مستشارين متخصصين” أو “باحثين ميدانيين” أو “خبراء فنيين”!! والحال أن هؤلاء “المثقفين” يعلمون أن أولياء نعمتهم من أولئك الساسة منهم أميون أحيانا- لا يرجون من وراء ذلك سوى تلميع صورتهم واتخاذها مطية للاستهلاك السياسوي والمزايدة بها في بعض المناسبات والاستحقاقات الانتخابية !!!

*  الاسترزاق بقضايا هامة وحساسة من قبيل حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وانشاء بعض المنظمات غير الحكومية هنا وهناك وتارة تكون وهمية, وما جرى مجرى هذه القضايا الإنسانية.

حيث نجد أن بعض “الطلائع المثقفة” هي التي تُنَصّب نفسها للترافع عن هذه القضايا، وهي التي تمنح لنفسها الصفة والأهلية القانونية لتقديم مشاريع وطنية ودولية وإقليمية للنهوض بأوضاع هذه الفئات وهي من تتولى تدبير وإدارة أي دعم مالي سخي أو بسيط تتلقاه من الجهات المانحة في قطاعات حكومية أو منظمات دولية أو سفارات دول شقيقة أو صديقة، وهي التي تضع لوائح المستفيدين والمستفيدات من أي دعم مادي أو عيني يخص هذه الفئات الناطقة باسمها حقا أو باطلا. فهي إذن الكل في الكل. لكن ماذا عن حصيلة تلك “المشاريع” وتلك الأموال هل أنها وصلت ام لا ؟ إنها لا تظهر إلا على مستوى التقارير الورقية التي تقدم للجهات الممولة قصد التبرير وللمنابر الإعلامية للتسويق الإشهاري وتضخيم “المنجزات” أما على مستوى واقع من أُكِلَت الغلة باسمهم ليست إلا هباءا منثورا وفُتاتا مقتورا !!

*  التهافت على مناصب المسؤولية في القطاعات العمومية ليس حبا في تحمل المسؤولية ولا رغبة في خدمة الوطن والمواطنين، ولكن كغطاء للتسلل “المباح” إلى المال العام  فتجد عددا لا يستهان به من أطر الدولة حينما يتقلد منصبا لا يتورع عن انتهاك حرمة المال العام نهبا وإخفاءا وهدرا،  باعتماد كل  الأساليب الاحتيالية الظاهرة والباطنة و”القانونية” و”اللاقانونية” والتواطؤ مع المفسدين لتزوير الصفقات أو النفخ في الأرقام أو الغش في المشاريع أو تلقي “العمولات من تحت الطاولة”

*  وإنشاء مكاتب “دراسات بحثية واستراتيجية”THINK THANK” ظاهرها القيام بالبحوث أو الدراسات والإستشارات اللازمة والمطلوبة لإنجاز أية مشاريع بنيوية وهيكلية أو اجتماعية تطويرية اقتصادية أو استراتيجية للدولة وفق معايير علمية وتقنية ومالية ولوجستية مضبوطة ومحددة، وباطنها أن هذه المكاتب لا وجود لها إلا على الورق، وتشتغل فقط بشكل مناسباتي و”همزاتي” من أجل الظفر بصفقات عروض باهظة التكاليف، تساوي أحيانا قيمة المشاريع نفسها المراد إنجازها. وتبقى الطامة الكبرى هي أن تلك المكاتب لا تقوم سوى باستنساخ أوراق وتجارب ومشاريع من مكاتب ومراكز دراسات في دول أجنبية الآخرين PLAGIAT مما يجعل تلك “الدراسات” ممسوخة الهوية وعديمة الجدوى ولا تتنزل على واقعنا الموريتاني  لأنها أنجزت لأرضية غير أرضيتنا وصيغت وفق معطيات مغايرة لواقعنا ولخبرة خبراء مكاتبنا وفق أصول الدراسات والاستشارات المتعارف عليها

شاهد أيضاً

ما أصعب أن تُقاوم على جبهتين! / محمد الأمين الفاضل

منذ فترة ليست بالقصيرة، وأنا تترسخ لدي يوما بعد يوم قناعة مفادها أن هناك ضرورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *