20 أبريل 2024 , 12:36

الشيخ يب ابن أحمد قاظي..في الذكرى السادسة لرحيله/ المهندس محمد محمود أحمد قاظي  

لست من عشاق شواطيء (كوستا دل سول) الأندلسية و لا أشعر بالود حيال عاصمتها مالقة, و أكره شمس أغسطس الحارقة, فالمكان و الزمان يثيران أشجاني…و تلكم حكاية قديمة متجددة.

يذكرني يوم 13 أغسطس بخيانة القائد أبي محمد لعمه السلطان الزغل النصري على أبواب مالقة و تمكين الملك فرناندو منها سنة 1487 م.

و يوم 4 أغسطس أتذكر وفاة حاتم دهره و معن مصره ابن عمنا الشيخ يب ابن أحمد قاظي, عليه شآبيب الرحمة, سنة 2014م بمدينة مالقة نفسها.

يومها (04/08/2014) لم تسعفني الكلمات في نعي الفقيد بما يستحق, و خففت أساي بترديد أبيات نعم في زوجها شماس المخزومي رضي الله عنه أقول:

   لمّا أتى الناعـي له جـزعاً ……..        أودى الجواد وأودى المُطعم الكاسي

 وقلت لمّا خلـت منه مجـالسـه ……..لا يُبعـد الله عنّـا قـرب شمـّاس

 و من يوم الناس ذاك و أنا أحجم عن الكتابة عن الفقيد رحمه الله حتى لا يكون تأبينا eulogy على الطريقة الفرعونية ثم الكنسية الوثنية بعد ذلك. أما وقد طال الأمد و خف الحزن, و لم يبقى الا الحديث الحسن

انما المرء حديث بعده ….. فكن حديثا حسنا لمن وعى.

و قد جاء في محكم الذكر ” و لاتنسوا الفضل بينكم”, و قال الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم “أنزلوا الناس منازلهم”, وقال “أذكروا محاسن موتاكم”, فان من الوفاء و الفضل أن نذكر لأهل الفضل فضلكم, و من انزال المنازل أن نعرف الناس بالقدوات, و قد كان رحمه الله قدوة في الجود و حسن الخلق و التواضع.

مَضَى لِسَبِيلِهِ مَعْنٌ وأبْقَى ….. مَكارِمَ لَنْ تَبِيدَ ولَنْ تُنَالا

 أصاب الموت يومَ اصابَ معنا …. مِنَ الأحْياءِ أكْرَمَهُمْ فَعَالاَ.

 ارتبط رحمه بصلات وثيقة مع العديد من قادة العالم, شرقه و غربه, على مدى نصف قرن من الزمن, و الزمن يكذب كل دعي لكنه لم يكن كذلك. نذكر من هؤلاء القادة عدا لا حصرا, الملك فهد, الشيخ زايد, معمر القذافي, جاك شيراك, عبدوضيوف, أياديما, موبوتو سيسيكو, و شيخو توري……جادوا عليه بالمال الوفير فسلطه الله على هلكته بالحق, و جاد به على الناس أحمرهم و أسودهم, غنيهم و فقيرهم, لا يبقي منه شيئا.

وقد علم الأقوامُ لو أنَّ حاتمًا​​        أراد ثراءَ المالِ كان له وفرُ.

 جاد بالسيارات الفارهة و بالبيوت الواسعة و النعم الكثير و النقد بمختلف العملات, و عم نائله أرجاء من الوطن و مهاجرته في افريقيا و الشرق الأوسط, و فئاما من الناس غير هؤلاء, نسأل العلي الكريم أن يثيبه و أن يجزل له العطاء.

وكانَ الناسُ كلهم لمعنٍ * إلى أن زار حفرتهُ عيالا

 مَضَى مَنْ كَانَ يَحْملُ كُلَّ ثِقْلٍ * ويسبق فضل نائله السؤالا

كان أحد بيوته في دولة بنين, على مفترق طرق بين افريقيا الغربية و الوسطى, مثابة لعابري السبيل.

يسقطُ الطيرُ حيثُ يُلتقطُ الح * بُّ وتُغْشَىْ منازلُ الكرماءِ

يستقبل في كل يوم مئات الرجال لا يعرف أكثرهم, يقضي لكل سأله لا يبتغي منه جزاء و لا شكورا.

لا يستثيب ببذلِ العُرْفِ محْمدةً….. ولا يَمُنُّ إذا ما قَلَّد المِننا

قال جعفر بن محمَّد الصَّادق: إنَّ لله وجوهًا مِن خلقه، خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجُود مجدًا، والإفضال مغنمًا، والله يحبُّ مكارم الأخلاق. له في الجود غرائب نعرض عن ذكرها مخافة الاطالة, الا واحدة ذكرها لي من أثق به, حيث خرجا من بيت الضيافة في أبي ظبي ضحى جمعة يقصدان اماما سبق و أن صلى معه, فلم يتيسر لهما لقاءه. و بينما هما في طريق العودة, و كان قد جهز للامام ربع مليون درهم صدقة, فاذا بعجوز يمني رث الحال يتوكأ على عود. بادر الشيخ بالمبلغ يدفعه اليه كاملا, و العجوز يتراجع القهقرى مستغربا, لكنه في النهاية استلم المبلغ لالحاح الشيخ و اغراء الدرهم و هوى جالسا من هول الصدمة, فمضى الشيخ و مرافقه لسبيلهما.

وتُذكر أخلاقُ الفتى وعظامهُ * مغيبةٌ في اللحدِ بالٍ رميمُها

وقائلةٍ أهلكتَ بالجودِ مالنا * ونفسَكَ حتى ضرّ نفسَكَ جودها

 فقلتُ دعيني إِنما تلكَ عادتي * لكل كريمٍ عادةٌ يستعيدها

تذكرت بعض الحكايات عن جوده, و استحضرت حديث أم سلمة (صنائع المعروف تقي مصارع السوء…) حين قابلته سنة 2012م بنواكشوط و قد خاب ظن الدكتور سقاف السقاف الذي كان يعالجه بمدينة جدة من اصابة بالغة في الرأس جراء حادث سير, و قد قال انه لن يشفى. اللهم اجزل له الأجر و أمنه يوم الفزع الأكبر, و قد قلت و أنت خير قائل: “الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” * عليه سلام الله مني تحية ……ومن كل غيث صادق البرق والرعد

 

شاهد أيضاً

تساؤلات من مراقب !!!/ التراد ولد سيدي

في ظروف توالد وتكاثر المبادرات التي يتنافس فيها الآخيرون مع الاولين في إظهار ولائهم الحقيقي …