25 أبريل 2024 , 0:57

طنجة تستعيد “الأجواء القديمة”.. ماض أدبي ثري وحداثة نابضة‎

طنجة تستعيد "الأجواء القديمة" .. ماض أدبي ثري وحداثة نابضة‎

لطالما كانت مدينة طنجة نقطة اتصال بين الثقافات والقارات، فالبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي يلتقيان عند الطرف الشمالي الغربي للمغرب، وأوروبا وإفريقيا أقرب إلى بعضهما هنا مما عليه الحال في أي مكان آخر.

أدباء أمريكيون شكلوا أسطورة لـ”عاصمة البوغاز”، تقول إنها متسمة بالإباحة والخطورة، فرغم تغير طبيعة طنجة منذ زمن الأديب الأمريكي بول بولز -الذي صار من أبناء المدينة- والكاتب المغربي محمد شكري -صاحب رواية “الخبز الحافي”- ها هي تتجاوز الركود وتسودها أجواء تفاؤل جديدة.

تبعا لذلك، تذهب الصحافية الألمانية كلاوديا مينده بالقارئ -عبر مدينة في طور تحوُّل- في جولة أدبية، من خلال مقالة منشورة في موقع القنطرة للحوار مع العالم الإسلامي، تحت عنوان “أديب أمريكي صار من أبناء المغرب.. طنجة المغربية-ماض أدبي ثري وحداثة نابضة”.

هكذا، تُستهل المقالة بوصف مقهى “الحافة” الشهير، موردة ما يلي: “في مقهى الحافة توقَّف الزمن.. طلاء جص أزرق وأبيض منهار عن الجدران. بعض الزبائن الشباب جالسون على الكراسي البلاستيكية في المقهى تحت الهواء الطلق وهم ينظرون حالمين إلى البحر، بينما تسير في البعيد سفنُ الحاويات عبر مضيق جبل طارق”.

وتضيف: “بالإمكان من هنا رؤية الأراضي الإسبانية بشكل غير واضح في البعيد. تبدو أوروبا قريبة في متناول اليدّ، ورغم ذلك ليس بإمكان معظم المغاربة الوصول إليها. وبدلاً عن ذلك يلتقي الشباب في مقهى الحافة، الذي تأسَّس قبل مائة عام تقريبًا وكان المكان المفضَّل للكاتب الأمريكي بول بولز في طنجة، والذي كان يجلس فيه لساعات يشرب الشاي بالنعناع وينكب على كتابة نصوصه”.

وتتابع بالقول: “جاء الكاتب الأمريكي بول بولز إلى المدينة في عام 1950 تقريبًا؛ وذلك بناءً على توصية من الكاتبة الأمريكية غيرترود ستاين، ووقع في حبِّ خِفَّتها المتوسِّطية وبقي فيها حتى وفاته في عام 1999. وقد عاش الفترات الوحشية في زمن منطقة طنجة الدولية”.

فقد كانت طنجة تحت الإدارة الدولية في الفترة من عام 1923 حتى استقلال المغرب في عام 1956. وكانت الكلمة هنا لتسع قوى أوروبية مشتركة. لقد كان عصرًا ذهبيًا بالنسبة للمهرِّبين وتجَّار المخدِّرات والجواسيس، وفق المصدر عينه.

وفي تلك الفترة، رحل الكثير من المؤلفين القادمين من الولايات المتَّحدة الأمريكية من وطنهم الضيِّق والمتزمِّت إلى طنجة، تبعاً للمقالة، حيث كان بالإمكان العيش بمال قليل وتدخين الكيف (الحشيش) من دون عوائق ويعثر على الجنس الرخيص بجميع الأنواع. وفي وقت ما غادر معظمهم، ولكن بول بولز بقي في طنجة، وكتب قصصه الوجودية وتقارير رحلاته حول المَلل من الحضارة الغربية والبحث اليائس عن شيء أفضل.

وتردف: “توجد في متحف المفوَّضية الأمريكية الواقع عند طرف المدينة القديمة ملصقاتٌ سينمائية تُذكِّر بفيلم “السماء الواقية” للمخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي المأخوذ عن رواية لبول بولز تحمل الاسم نفسه. وتُظهِر صورٌ بالأبيض والأسود هذا المؤلف المستقل بذاته والمُكتئب أثناء عمله على الآلة الكاتبة وتسجيله الموسيقى التقليدية”.

وتستطرد الصحافية الألمانية: “إذ إنَّ بول بولز، الذي لم يكن مؤلفًا فقط بل كان أيضًا ملحنًا، قد اهتم بثقافة البلاد على العكس من معظم الكتَّاب الغربيين. طاف وتجوَّل في جميع أنحاء المغرب وسجَّل تسجيلات صوتية للموسيقى الشعبية المغربية تشكَّل اليوم أهم مجموعة إثنوغرافية من الموسيقى المحلية”.

“كان يجلس في الخمسينيات والستينيات في مقهى غراند دو باريس المنهار كتّابٌ مثل تينيسي ويليامز وجاك كيرواك وترومان كابوتي وويليام بوروز – يقضون معظم الوقت وهم مخدَّرون قليلًا من المخدِّرات والكحول، يتناقشون حول الله والعالم. أمَّا اليوم فيرتاد هذا المقهى بالإضافة إلى الرجال المسنِّين بعضُ النساء أيضًا، يشردون بأفكارهم هنا. توجد على باب المدخل الزجاجي ورقةٌ تمنع أجهزة الكمبيوتر المحمولة. يبدو أنَّ الحلم مسموح هنا ولكن العمل ممنوع”، تضيف الصحافية.

وتمضي مسترسلة: “لقد شيَّد الكتَّاب الأمريكيون بنصوصهم نصبًا تذكاريًا لطنجة، ولكنهم في الوقت نفسه غيَّروا صورتها أيضًا إلى خيال أدبي – يختلط الواقعي والخيال إلى حكاية حول الشرق كخلفية غرائبية وحسِّية، لكنهم كانوا قليلي الاهتمام بحياة السكَّان الأصليين، فأصبحت طنجة مكانًا يتلهَّف إليه الغربيون المُتعَبون من الحضارة”.

وتقدم المقالة لمحات عن أقدم مكتبة في طنجة، حيث تقع في شارع باستور -على بُعد خمس دقائق فقط سيرًا على الأقدام من مقهى غراند دو باريس- أقدمُ مكتبة لبيع الكتب في طنجة، تم تأسيسها في عام 1949. منذ البداية، كانت مكتبة كولون دائمًا مكانَ التقاءٍ للمبدعين والمثقَّفين. هنا كان بول بولز يطلب كتبه. واليوم يسود الهدوء في مكتبة كولون، ويجلس بائع الكتب منصف بوعلي لوحده ولديه وقت لتبادل أطراف الحديث.

وتؤكد الصحافية أن هذا الكاتب الأمريكي كان يدعم في تلك الفترة مؤلفين محليين أيضًا، حيث كان يترجم النصوص العربية إلى الإنكليزية ويقيم اتِّصالات مع الناشرين. المؤلفون المجهولون في تلك الفترة، مثل محمد شكري، باتوا يُعتَبرون الآن من كلاسيكيي الأدب المغربي الحديث.

فقط في طنجة استطاع الفتى الأمازيغي محمد شكري، الذي كان يدخِّن بشراهة، كتابة روايته الفضائحية “الخبز الحافي”، التي تتحدَّث حول سيرته الذاتية، وتعتبر بمثابة تصفية حساب راديكالية مع الفقر والجهل والعنف الأُسري. أثارت هذه الرواية فضيحة عندما تم نشرها باللغة العربية في عام 1982. واليوم يُعتَبر محمد شكري وبول بولز من أشهر أبناء مدينة طنجة، قبل أن تتساءل كاتبة المقالة: “فهل يمكن اليوم نشر مثل هذه الرواية الراديكالية؟”.

وقد تغيَّرت طبيعة المدينة تغييرًا كبيرًا منذ زمن بول بولز ومحمد شكري. أصبحت طنجة جزءًا من المملكة المغربية مع استقلالها عن فرنسا في عام 1956. رحل عن طنجة كثير من الأمريكيين واليهود. وفي عهد الملك الحسن الثاني، أمست طنجة عديمة الأهمية. وفقط محمد السادس اكتشف من جديد إمكانياتها كنقطة اتِّصال بين إفريقيا وأوروبا واستثمر فيها استثمارات ضخمة.

وتسترسل المقالة: اشترى المستثمرون المباني القديمة وأُضيفت فنادق جديدة، وأعيد تصميم كورنيش الميناء من أجل السياح، وأنشئ مرسى يخوت ليجذب المسافرين والسياح في قسم الرفاهية. ازداد في طنجة الطابع العربي والإسلامي منذ مطلع الألفية الجديدة، وذلك بشكل خاص من خلال تدفُّق السكَّان المحافظين من منطقة الريف إليها. فحتى طنجة بات يوجد فيها اليوم أيضًا مشهد سلفي واسع.

ولكن تم تجاوز الركود وباتت تسود في المدينة أجواء تفاؤل جديدة، تخلص إلى ذلك الكاتبة، حيث تعتبر طنجة اليوم مركز تبادل مهم في التجارة بين أوروبا وإفريقيا وآسيا. تقول خديجة الحمام في شقتها المليئة بالذكريات في منطقة القصبة القديمة: “طنجة تتحرَّك. في طنجة أشياء تتقدَّم”.

شاهد أيضاً

إعلان من الشركة الوطنية للماء (snde)

إعلان——-تعلن الشركة الوطنية للماء snde عن فتح أبواب مراكزها التجارية أمام زبنائها يومي السبت 20 …